‏إظهار الرسائل ذات التسميات قراءات. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات قراءات. إظهار كافة الرسائل

الأحد، 29 يناير 2023

قراءة عابرة في بعض كتابات فوزي الديماسي بقلم الأستاذ: مختار الماجري/ تونس

الأستاد: مختار الماجري/ تونس
 

قراءة عابرة في بعض كتابات فوزي الديماسي

بقلم الأستاذ: مختار الماجري

فوزي الديماسي "رجل الفصاحة يدعوها فتجيبه" بتعبير بديع الزمان الهمذاني، فحين تقرأ كتاباته السرديّة تخال نفسك في حضرة الشعر، فسرديّات الرجل مضمّخة بمزيج من النّثر الشّعريّ، وحين تحاول استيعاب هذا المزيج تجد نفسك حيال شذرات فلسفيّة كامنة في ذات الكاتب تصبو إلى الخروج نثرا أو شعرا.

    هو سبيل ارتآه فوزي الديماسي ليرسم من خلاله -عبر لغة تجمع بين العامي والفصيح- نهجا في الكتابة التجريبيّة يلبّي غاية كامنة فيه تنمّ عن اعتراف بفضل مدينة هي بالنسبة إليه "الولاّدة والوسّادة" في الآن ذاته. فانبرى يسجّل كلّ كبيرة وصغيرة مرّت بذاكرته في رحاب مدينة قصر هلال. تلك المدينة الموطن، المدينة الأمّ بما تحمله من ذكريات وعادات وتقاليد وحياة نابضة بالخصوصيّة والتفرّد تنبئ عن اعتزاز الكاتب بانتمائه لهذا الموطن العزيز، فيبدو مأخوذا بتفاصيله وجزئيّاته غارقا في عشقه حدّ النخاع.

    يحاول فوزي الديماسي أن يرسم طريقا يبدو فيه مختلفا عن الكتابات المعهودة، فكتاباته لا تنتمي بشكل واضح إلى السيرة الذاتيّة وإن أوهمتنا بذلك، ولا هي إلى الكتابة الواقعيّة الصّرفة، فكاتبنا يضيف من الخيال الشّيء الكثير على ما يكتب، فيزاوج بين الخياليّ والواقعيّ ليتحرّر من إسار الواقعيّة ويتمرّد على تهويمات الخيال. ولعلّ وسم البعض من كتبه بعنوان يحمل اسم المدينة "قصر هلال" لخير دليل على العلاقة الحميميّة بينهما، فأحدها: " قصر هلال، ذاكرة طفولة... طفولة ذاكرة"، وثانيها "قصر هلال... سيرة مكان". وثالثها "قصر هلال... من هنا عبروا".

فــــــــــ "قصر هلال، ذاكرة طفولة... طفولة ذاكرة" كتابٌ بُني في ثلاثة فصول تتّصل جميعها بنهج الجمهوريّة؛     

1-    من أيام نهج الجمهورية،

2- ما بعد نهج الجمهورية،

3- نهج الجمهورية أكبر ممّا كنت أتصوّر طفلا.

  إنّ الاهتمام بالمكان واضح من خلال عناوين الفصول إلاّ أنّ هذا المكان لم يكتسب أهمّيّته لو لم تكن له علاقة متينة وروابط حميمة بمن سكنوه من جهة وبذكريات الكاتب من جهة أخرى. فالكتاب ضرب من السّيرة والتّوثيق فيهما احتفاء ملحوظ بالتّفاصيل المتنوّعة زمن طفولة الكاتب، وبذلك حمى الكاتب كمّا هائلا من الأخبار والأحداث والذّكريات من الاندثار عبر معطيات توثيقيّة تكون أحيانا مؤرّخة بأزمنة ومواقيت دقيقة كما جاء في مقدّمة الكتاب: "سنة 1995، وتحديدا يوم الأربعاء 1 نوفمبر تاريخ وفاة والدتي سعاد صالح رحمها الله..."1، إلاّ أنّ هذه الدقّة التأريخيّة  كانت إشارة من الكاتب إلى سبب دخوله عالم الكتابة من جهة و إلى  أهمّية الحدث من جهة أخرى، لأّنّها ليست غاية الكاتب الأولى  ولذلك لم تتواصل في كتاباته واقتصر الكاتب على التّسجيل المفصّل دون تواريخ دقيقة لإيمانه بتوجّهه الأدبيّ لا التاريخيّ أو التّوثيقيّ بما في الكلمة من معنى، بل نجد فوزي الديماسي نفسه يستبعد -تواضعا منه- أن يكون مؤرّخا أو موثّقا، و إنّما يرجع ذلك إلى ضرب من النوستالجيا  أو الحنين إلى ماض يرى فيه صورة طفولته السّعيدة فيعيش على وقع ذكراها من جهة ومن جهة أخرى اعتراف منه بفضل هذه المدينة "قصر هلال" عليه، حين احتضنته صغيرا  وعلّمته من تقاليد حياتها الشّيء الكثير. يقول كاتبنا: "إنّ كتاباتي في هذا المنجز ليست بالتوثيقية، أو التأريخيّة، وأنَّى لي بلوغ درجات المؤرّخين وأهل الذّكر في السيوسيولوجيا والأنتروبولوجيا ، و إنّما هي إطلالة يغلب عليها طابع الحنين، ومشاعر النوستالجي..."2 

بل لعلّ الكاتب أدرك الغاية الأساسيّة من هذه الكتابة وهي الاعتراف بجميل المدينة، يقول: "ثمّ إنّ كتابتي هذه ما هي بالكتابة المجانيّة، أو من باب البكاء على الأطلال. وإنّما هي لمسة وفاء لأرض طيّبة عشنا على أديمها حياتنا بحلوها ومرّها، وتقلّبنا بين أحضانها.." 3.

أمّا "قصر هلال... سيرة مكان" فهو كتاب قامت بنيته على فصلين يُختمُ كلّ منهما بهامش مطوّل يشرح فيه الكاتب كمّا هائلا من معاني المصطلحات العاميّة الّتي تمّ توظيفها. ويرسم صاحبه مشاهد واقعيّة وصفا دقيقا تستحيل المشاهد فيه إلى لوحات فنّية تتحرّك أبطالها   أمام أعين القرّاء دارت أحداثها في مدينة قصر هلال، فالكاتب اختار عمدا التّكثيف من استعمال المحلّي اللّهجوي للإبقاء على طبيعة الموضوع وغاياته البعيدة وفاءً لمنهج يتناغم فيه المبنى مع المعنى فيشكّلان معا صورة واضحة لنوستالجيا مفقودة تستأنس بها الذّات عبر الذاكرة.

  أمّا " قصر هلال... من هنا عبروا" فهو مازال قيد الطباعة و إن لم يختلف عن سابقيه من حيث الاحتفاء بتسجيل الوقائع المتّصلة بقصر هلال والسّاحل عموما، وذكر أهمّ الشخصيّات الّتي مرّت بذاكرة الكاتب، فإنّه يختلف من حيث تناول القضايا وبعض المسائل، وقد مكّنني صاحبه مشكورا من الفصل الأوّل قبل طباعة الكتاب، وقد تكون لنا وقفة أكثر دقّة مع بعض مؤلّفاته الأخرى وهي عديدة.

         يحاول فوزي الديماسي أن يرسم طريقا يبدو فيه مختلفا عن الكتابات المعهودة، فكتاباته لا تنتمي بشكل واضح إلى السّيرة الذّاتيّة وإن أوهمتنا بذلك، ولا هي إلى الكتابة الواقعيّة الصرفة، فكاتبنا يضيف من الخيال الشّيء الكثير على ما يكتب، فيزاوج بين الخياليّ والواقعيّ ليتحرّر من إسار الواقعيّة ويتمرّد على تهويمات الخيال. كما نراه يؤلّف بين جملة من الثنائيّات المتضادّة: العامّي والفصيح/ السّرديّ والشعريّ/ الواقعيّ والخياليّ... بحثا عن سبل تجريبيّة في الكتابة لم تُطرق بعد.

مختار الماجري/ تونس

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

الهوامش:

1- "قصر هلال، ذاكرة طفولة.. طفولة ذاكرة"، منشورات ابن عربي الطبعة الأولى 2021، مقدّمة الكتاب، ص9.

2- "قصر هلال، ذاكرة طفولة.. طفولة ذاكرة"، منشورات ابن عربي الطبعة الأولى 2021، مقدّمة الكتاب، ص10.

3- "قصر هلال، ذاكرة طفولة.. طفولة ذاكرة"، منشورات ابن عربي الطبعة الأولى 2021، مقدّمة الكتاب، ص11.

 

الخميس، 28 يوليو 2022

مفهوم الحياة عند ميخائيل نعيمة في كتابه "من وحي المسيح" فصل "يسوع والسامريّة" نموذجا،،، مختار الماجري: تونس

الأستاذ: مختار الماجري/ تونس
 

مفهوم الحياة عند ميخائيل نعيمة في كتابه "من وحي المسيح"¹

فصل "يسوع والسامريّة"² نموذجا

بقلم: مختار الماجري/ تونس

             يختلف مفهوم الحياة من مفكّر إلى آخر انطلاقا من زاوية النظر التي يطلّ منها كلّ ناقد أو أديب أو عالم، فها هو نعيمة يعاطينا الحديث عن معنى الحياة من داخل كتابه "من وحي المسيح" وتحديدا من خلال فصل "يسوع والسامريّة" الّذي يقع بين الصفحتين 161 و171 من الكتاب المذكور، وإذا أردنا أكثر دقّة نقول يقع بين الفصلين "السبت والإنسان" و "يسوع والإيمان". وفي هذا النصّ يشير نعيمة إلى حديث يسوع إلى فرقة السامريّة³ لتلقينها تعاليم عديدة، ويتّخذ الكاتب من هذا الحديث منطلقا لتوضيح مسائل تبدو مهمّة في المعتقد المسيحي كمسألة "الخلاص". وهذه الأخيرة تُعدَّ أرضيّة انطلاق خصبة بالنسبة إلى نعيمة توصله حتما إلى ضالّته المنشودة الّتي شغلت باله طويلا وهي "مفهوم الحياة"، وعبر التدرّج المنطقي وجد في حديث المسيح عن "ماء الحياة" ما من شأنه أن يطفئ ظمأه ويوصله إلى شاطئ السلام. ومن "ماء الحياة" ينتقل إلى "شجرة الحياة" ثمّ إلى إشكالية " المعرفة"، ومن هنا يقرّ كاتبنا بأنّ الخلاصَ رهين المعرفة. فما المقصود بالخلاص؟ وكيف تبدو المعرفة سبيلا إلى الخلاص؟ وأيّ نوع من المعرفة يقصد المؤلّف؟

      لئن كان مطمح الكاتب في هذا النصّ الوصول إلى ملامسة الهدف الرئيس والغاية القصوى ونقصد "مفهوم الحياة" فإنّه مرّ بمسائل أخرى يُفضي بعضها إلى بعض تُعتَبَرُ مُمهّدةً للمسألة الأمّ. وبفضل هذه المسائل ينقسم النصّ إلى أربع وحدات معنويّة تتّصل كلّها بـ "الحياة". وسوف نعمد إلى عدم رسم الحدود الشكلية لكلّ وحدة إيمانا منّا بأنّ التحديد الشكلي ليس سوى عمل إجرائي لا غير، فالخطاب والخبر كلّ لا يتجزّأ – حسب تودوروف - إذ لا يمكن الفصل بينهما. إضافة إلى إمكانية الوقوع في التكرار المعنوي لفكرة قد تُعاد في أكثر من وحدة معنوية. فما محتوى الوحدات المذكورة؟

       تتناول الوحدة الأولى الحديث عن ماء" الحياة الأبدية" ونوعيّته، أمّا الوحدة الثانية – التي تُعتبر همزة وصل بين الوحدة الأولى والثالثة - فموضوعها حول الخطيئة الأولى للإنسان لمّا أكل من الشجرة المحرّمة. ويوضّح لنا الكاتب مفهوم تلك الشجرة ثمّ ينتقل بنا إلى الوحدة الثالثة للتعريف بشجرة ثانية تفوق الأولى من حيث الأهميّة وهي "شجرة الحياة"، ويقرن المؤلف هذه الشجرة بمسألة "المعرفة". وأمّا الوحدة الرابعة فقد اشتملت على كلّ ما ورد في الوحدات السابقة من معان ومفاهيم لتصيغ مفهوما لمعنى الحياة".

      استُهلّ هذا النصُّ بمقولة كان المسيح قد وجّهها إلى فرقة السامريّة لتلقينهم أشياء يجهلونها، أو قل شيئا يجهلونه وهو الماء "الذي يتفجّر حياة أبدية". إنّ المعروف عن الأنبياء والرسل أنّهم جاؤوا لنشر الدين، أي أنّ رسالة دينية أُنيطت بعهدتهم، فما علاقة "الماء" بالدين؟ هل هو ماء مادّي أم معنوي؟ لماذا الماء بالذات دون العناصر الطبيعية الأخرى؟

في البدء، نشير إلى أنّ المعجم المقدّس أشار إليه البلاغيون حين تحدّثوا عن المجاز في المعجم المقدّس والقرآن خصوصا. هذا من جهة، ومن جهة أخرى أنّ الماء مصدر أساسي للحياة به تحيا كافة المخلوقات، فهل تستقيم الحياة بلا ماء؟ ولكن هل إنّ يسوع يتحدّث عن الماء والحياة المادّيين؟

      حين يذكر نعيمة الماء يقرنه بأزليّة الحياة فيقول على لسان المسيح عليه السلام "ماء يتفجّر حياة أبدية"، وبالتالي فهذا الماء هو غير المألوف لدى المخلوقات جميعا في حياتنا المعهودة، بل هو "غير الماء المألوف وهو لا ينبع من أشياء محسوسة بل من ينابيع خارج   نطاق المحسوسات"5.  إنّنا إزاء كلام قد يعسر فهمُه على العامّة لا تفهمه سوى نخبة معيّنة من الناس قد تفهم المجرّدات بحكم طبيعة الوسائل المعرفية التي تمتلكها. وهذا ما سنوضّحه في الوحدة المعنوية الثالثة إضافة إلى " شجرة الحياة" التي تمثل ينبوع هذا الماء أو مصدره. ولكن قبل ذلك يعرّج نعيمة – في الوحدة المعنوية الثانية – على قصة الخطيئة الأولى تعريجا ليست الغاية منه سرد أحداث القصّة بقدر ما يريد أن يذكر مصدر الخطأ المتمثل في "الشجرة المحرّمة" وكأنّه يريد مقارنة بين هذه الشجرة و "شجرة الحياة" التي سنتعرّض إليها فيما بعد.

      إنّ الكاتب يضعنا حيال قصّة هامة ذكرتها كلّ المصادر الدينية أو أغلبها وتتمثّل في الخطيئة الأولى للإنسان التي تسببت في عقابه بحرمانه من البقاء في الجنة والنزول به إلى الأرض حين أكل من ثمار الشجرة المحرّمة. وقد استقى الكاتب هذا الخبر من التوراة من خلال قوله: «حسب الأسطورة التي جاء بها موسى»6. ولكنّ اللافت للانتباه أنّ هذه القصّة على أهميتها اختزلها الكاتب في خمسة أسطر، وهو ما يؤكّد لنا أنّ هذه القصة ليست غاية بقدر ما هي وسيلة عن طريقها يريد الكاتب أن يطرح مسائل تكاد تكون فلسفية لِما تتسم به من طابع تجريديّ بحت يتصل بمفاهيم من قبيل "المعرفة"، "الخير"، "الشر" وغيرها. "والشجرة المحرّمة هي شجرة معرفة الخير والشر"7. إنّ الأمر لا يتعلّق البتّة بمصطلح "الشجرة" في حدّ ذاته بقدر ما يتّصل بمسألة فلسفية عالجها العديد من المفكرين هي ثنائية الخير والشر. ولعلّ تأصيلَهما في الذات البشريّة استدعى حضور لفظ "شجرة" لِما ترمز إليه هذه الأخيرة من تأصّل وتجذّر وثبات. ولكن إذا كانت ثنائية الخير والشرّ متصلة بما هو جِبِلّةٌ في الإنسان، فكيف يتحدث كاتب النص عن إمكانية الخلاص من خلال "شجرة الحياة"؟

     قبل المرور إلى الوحدة الثالثة المتعلّقة بـ “شجرة الحياة" فحريّ بنا أن نوضّح مصطلح "الخلاص". هو مصطلح ديني عادة ما يُستعمل في الخطابات الصوفية، ولئن لم يذكره نعيمة ذكرا صريحا في هذا النصّ فإنّنا نستوحيه – من خلال طرحه للمسألة – إيحاء جدوليا حسب التداعي الجدولي في اصطلاح دي سوسير.

       فالخلاص إذن متّصل بالمعنى الصوفي، أي أنّ الخلاص- حسب نعيمة – هو التخلّص من المعارف الحسّية إلى معارف أخرى تمكّن الإنسان من إدراك ما هو غير حسّي، أي من إدراك "شجرة الحياة". وبذلك يكتسب الإنسان نوعا من الوعي يسمّيه نعيمة بِـ "الوعي الشامل"، يقول: "إنّه حالة من وعي الإنسان لنفسه وعيا شاملا لا مجال فيه لأيّ فاصل أو حاجز بينه وبين ربّه الّذي منه وفيه"8. فالخلاص إذن يتصل بـ “الوعي الشامل" وهذا الوعي يتّصل بالاتّحاد بالذّات العلويّة، وبذلك يكون الإنسان قد حقّق الخلاص وأصبح روحا محضا وتمكّن من معرفة الحياة. وهذه المعرفة لا تتمّ إلاّ بعد تذوّق ثمار "شجرة الحياة" وهي الشجرة التي " لم يتذوّق بعدُ ثمارَها الإنسانُ وهو يوم بتذوّقها يصبح في غنى عن الطعام والشراب فلا يجوع أبدا ولا يعطش أبدا"9.

     إنّ الحياة التي يعنيها المؤلّف هي حياة تُدرك بوسائل معرفية غير عادية، إنّها الحياة التي بموجب معرفتها يتخلّص بالإنسان من أدران المادّة ليتّحد بالذّات العلويّة ويحلّ فيها. إنّها فلسفة الحلول عند نعيمة أو ما تُسمّى بِـ"الأُحادية الروحانية"، وذلك ما يسمّيه نعيمة بـ “معرفة الحياة". ويعتبرها المعرفة الحقيقية الوحيدة وكل ما عداها جهل يقول في هذا السياق: «فمعرفة الحياة هي وحدها المعرفة وكل ما عداها جهالة، إنها وحدها النور وكلّ ما عداها ظلام، تلك المعرفة أدركها يسوع عندما أدرك أنّ الله هو الحياة»10. ولعلّ أبرز وسائل هذه المعرفة هي: الإيمان والحدس، وقد أشار نعيمة إلى ذلك في كتابه "اليوم الأخير"، كما أشار إلى ذلك محمد شفيق شيّا في دراسته النقديّة لفلسفة نعيمة في "اليوم الأخير". يقول نعيمة في كتابه: "من وحي المسيح": فالإيمان في أسمى مظاهره اعتراف المؤمن بحدود العقل المقيّد بالمحسوسات ثمّ تخطّيه تلك الحدود إلى حقيقة الوجود الّتي لا تُحس... ذلك هو الإيمان المبصر. وقليل هم المبصرون»11. أمّا الحدس فهو ضرب من المعرفة الباطنية أو ما يُطلق عليه اسم " الحاسّة السادسة"، فهو نوع من الإبصار الداخلي، ولعلّه يكون عن طريق القلب، إنّه الإبصار بعين غير العين المألوفة، فهو بتعبير هنري برغسون «النظر بعين غير العين العادية»12. ومن هنا يتبيّن لنا أنّ الحدس هو «التجربة الميتافيزيقية» التي فيها تنكشف لنا ذواتنا، فندرك «المطلق» في صميم نفوسنا. 

     إنّ الوسائل المعرفية التي يطرحها المؤلّف تبدو مستعصية على العامة من الناس، إنها موجّهة إلى فئة معيّنة قد تكون المتصوّفة أو غيرها من الفئات القادرة على استيعاب تلك الوسائل وهم قلّة، ألم يقل هو نفسه: «وقليل هم المبصرون»؟ نلاحظ أنّ نعيمة يسعى جاهدا إلى بلورة مفهوم الحياة من خلال مفاهيم ومصطلحات تنحو منحى تجريديا تتّضح معالمها في الوحدة الرابعة.

     لقد عبّر صاحب الأثر - في أسلوب يقوم على الحدّ والتعريف - عن صفة توحي بنظرته للحياة قائلا: «فالحقيقة هي الحياة والحياة التي هي الروح»13. فنحن إزاء معادلة رياضية كالتالي:

الحقيقة = الحياة

الحياة= الروح

فنستنتج أنّ الحقيقة = الروح.

وإذا أردنا أكثر دقّة يمكن أن نرمز إلى الحقيقة بِـالحرف(أ) وإلى الحياة بالحرف (ب) وإلى الروح بالحرف(ج) فنقول:

(أ) = (ب)

(ب) = (ج)

إذن (أ) = (ج)

ومن هنا نلاحظ منطقيّة نعيمة في الإدلاء بآرائه واستنتاجاته من جهة، ومن جهة أخرى نشير إلى أنّ نعيمة منذ البداية يريد أن يصل بالقارئ إلى هذه النتيجة التالية: الحقيقة تساوي الروح، بمعنى أنّ الحياة الحقيقية هي فناء في الروح التي لا تُدرك بالعقل المحدود. بل الحياة هي الاتّحاد بالله، بل الحياة هي أن يكون الإنسان إلاها، ألم يقل نعيمة في "اليوم الأخير": لا قيمة للإنسان ما لم يصبح إله نفسه»؟ إذا كانت هذه الدعوة ممكنة، فكم من إله يصبح في العالم؟ ولئن اعتمد نعيمة النص الإنجيلي وأشار إلى نظرية الحلول محيلا على إنجيل يوحنّا المعمدان وتحديدا الأصحاح الرابع عشر وكذلك الأصحاح العاشر، فإنّ النص يقرّ بوحدانية الله " أحبّوا الربّ إلهكم «، وإن كانت الدعوة غير ممكنة فلِم يدعو إليها نعيمة؟ هل إنّ تصوّر نعيمة للإله هو ما نملكه نحن من تصوّر أم له معنى آخر؟  يقول نعيمة بأنّ الكون مجموعة عوالم ولكل عالم ربه الذي يهيمن عليه لكنّ الأرباب جميعا خاضعون لسلطان الله. ولقد بيّن نعيمة الفوارق بين الألوهية والربوبية. أمّا الله فقد عرّفه بأنّه الحياة التي لا نعرف لها بداية ولا نهاية، وهو روح وهو منزّه عن الشكل والصورة - وفي هذا السياق تلتقي المسيحية مع الإسلام - وهو مختلف عن الربّ ولا يمكن أن يدرك بالحواس لأنّه روح والروح لا تُدرك إلاّ بالروح. كما تلتقي المسيحية مع الإسلام في مسألة الوحي حين نقرأ ما قيل على لسان السيد المسيح «لأنّي لا أتكلم بشيء من عندي بل الأب الذي أرسلني وأوصاني ما أقول لكم... فالكلام الذي أفوه به أقوله كما قاله لي الأب»14

    أمّا مسألة المعرفة التي يطرحها نعيمة من حيث النوع فهي المعرفة المطلقة التي تسبر أغوار الماضي والحاضر والمستقبل؛ ما كان وما هو كائن وما يجب أن يكون. وأمّا أدواتها فمختلفة، منها "روح القدس" وهو ما يسمّيه نعيمة "روح الوعي الشامل"، إضافة إلى أداة "الحدس" وكذلك أداة "الإشراق"... وهي الأدوات الوحيدة الموصلة إلى الحقيقة التي هي " شجرة الحياة".

    وفي ختام هذا المبحث حريّ بنا أن نشير إلى أنّ ميخائيل نعيمة قد تجشّم صعوبة خوض غمار مثل هذه المسائل التي لا تبدو سهلة البتّة، الأمر الذي جعله يقع في التناقض في العديد من المواضع رغم محاولته إضفاء الطابع المنطقي على خطابه. وعلى سبيل الذكر لا الحصر نذكر أنّ موضوع الاتّحاد مع الذات العلوية والأدوات المعرفية المعتمدة في فلسفة الحلول تبدو كلّها مستمدّة من الفكر الصوفي من خلال خطابات روّاده كالحلاّج وابن الفارض وابن عربي والسهروردي وغيرهم، إلاّ أنّ نعيمة يـُنكر اعتماده على رجال الدين، يقول: «إنّني لا أكتب لرجال اللاهوت ولا بوحي منهم...بل بوحي من أعمق أعماقي»15، وهنا يتجلى التناقض. كما يتّضح أيضا في إقرار النص الإنجيلي بأنّ الله له عرش وله يمين ويسار "...وله عرش في ذلك المقر وله يمين ويسار، واليمين هو مقام الشرف. ومن هنا قول يسوع إنه يجلس عن يمين الآب"16. بينما يقول في موطن آخر: «لا يمين له ولا يسار ولا عرش له ولا صولجان».

       لقد كان نعيمة معجبا بالمسيحية مأخوذا بها إلى حدّ الانبهار، يقول: «يا مسيحي! أشهد أنّك حاضر أبدا في حياتي منذ أن وعيتُ نفسي وحتّى الساعة»17، فكانت كل أفكاره نتاج هذا العشق العاطفي الوجداني فبدت أقرب إلى الانطباعية منها إلى المعقولية، يقول موجّها خطابه إلى المسيح: «وأنا فيما أستنتج لا أسير على هدى عقلي بل على نور محبّتي لك ومحبتك لي»18. ولعلّ هذا الإعجاب المفرط بالمسيحية وعدم تحكيم العقل في مثل هذه المسائل هو الذي أوقعه في بعض التناقضات فغابت الموضوعية عن أغلب مواقفه وآرائه.

      صحيح إنّ عيسى بن مريم عليه السلام رسول ذُكر في القرآن الكريم عدّة مرّات، بل دعانا الله سبحانه إلى عدم التفريق بين الرسل إذ جاء في أواخر سورة البقرة «آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ ۚ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ ۚ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ۖ غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ»19. فالدين المسيحي دين تسامح وهي سمة حميدة، غير أنّه مُغال ومغرق في تلك السّمة مقارنة بالدين الإسلامي الذي هو دين علم وعمل، وتتّضح تلك المغالاة حين اجتمع السيد المسيح بالجموع على الجبل لكي يعلّمهم دستورا أخلاقيا لهدوء النفس وسلامها وسعادتها أيضاً في الحياة فقال لهم: حينما يؤذيك أحدهم لا تقابل الشَر بمثله بل من لطمك على خدك الأيمن (أي فعل الشَر بك) فحوّل له الخد الآخر أيضاً (أي أظهر له الجانب الأخر وهو المحبّة والتسامح. وتتجلى صفة التسامح بوضوح في الإنجيل الرابع ليوحنّا المعمدان.

      رغم بعض المواقف والرؤى الانطباعية عند نعيمة الناتجة عن عشقه اللامتناهي للمسيحيّة ممّا وسم كتابه"من وحي المسيح" بطابع يسوّغ لنا تسميته بالإنجيل الخامس، فإنّنا لا يمكن أن ننكر مجهود الرجل في تقصّية كلّ التعاليم والمبادئ التي تقوم عليها المسيحية. ومن كلّ هذا استقى مفهوما للحياة يتماشى مع تلك التعاليم التي تأخذ طابعا صوفيّا يصعب تطبيقه في واقع الحال. ومفهوم الحياة بهذا المعنى تناولته مصادر أخرى ذات طابع فلسفي- ديني إلاّ أنّ نعيمة تصرّف في المسألة ليضفي عليها طابع التفرّد وطابع التفلسف بحكم ثقافة الرجل الشاملة.

      ولئن اكتسى مفهوم الحياة عند نعيمة طابع الفرادة في اغلب جوانبه فإنّه ظلّ يتأرجح بين النصرانية والإسلام نظرا لطبيعة المسألة وارتباطها بالمقدّس، فالأديان المتصلة بالرّسل وتشهد لها الكتب المقدسة بذلك فهي مهما تنوّعت تسمياتها واختلفت تفاصيلها فإنها سليلة مصدر واحد يمتح من رافد واحد مهما اختلفت المشارب، ويصعب على من يحاول الفصل بينها فصلا جذريا. فأفكار نعيمة القريبة من الفلسفة هي بمثابة أسئلة تلقي بضلالها على مفاهيم مجرّدة أبوابها مشرعة على البحث. وضلال الأسئلة هو التعبير عن الفرادة المكرورة أو عن قدامة الجدّة وعن تصارب الاقتدار والانعتاق تصاربا هو منهما كالجذمور أو الأرمولة الممتدّة بعيدا في أرومة الوجود.

بقلم: مختار الماجري- أستاذ أوّل مميّز لغة عربية/ تونس

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الهوامش:

1- "من وحي المسيح" مؤسسة نوفل، بيروت، لبنان، الطبعة الثانية 1987

2 - هذا الفصل يقع بين فصليْ " السبت و الإنسان" و " يسوع و الإنسان" من كتاب " من وحي المسيح" لميخائيل نعيمة.

3-سُمّيت بـ"السامريّة" نسبة إلى السامرة في نابلس وهم طائفة من اليهودلا تعترف من العهد القديم إلاّ بالأسفار الخمسة الأولى التي تشتمل على الشريعة. وقد قبلوا رسالة المسيح ولم يكن بينهم وإيّاه صدام عقدي، أمّا علاقتهم باليهود فتقوم على التنافر والتضاد. 

4 - " من وحي المسيح" مؤسسة نوفل ،بيروت ، لبنان، الطبعة الثانية 1987 ص 163.

5 – المصدر نفسه ص 169.

6 - المصدر نفسه ص 169.

 7- المصدر نفسه ص 169.

8 - المصدر نفسه ص 63.

9 - المصدر نفسه ص170

10 - المصدر نفسه ص170

11 - المصدر نفسه ص175

12 – انظر : Henri Bergson : Essai sur les données immédiates de la conscience, EDITION ORIGINALE, (1889).

13 - " من وحي المسيح" مؤسسة نوفل ،بيروت ، لبنان، الطبعة الثانية 1987 ص171

14 – المصدر نفسه ص112

15 - المصدر نفسه ص35

16 - المصدر نفسه ص103

17 - المصدر نفسه ص7

18 – المصدر نفسه ص8

19 - سورة البقرة الآية 285

بقلم: مختار الماجري- أستاذ أوّل مميّز لغة عربية/ تونس

الثلاثاء، 12 يوليو 2022

قراءة في رواية اللّواجيست لعبد المجيد يوسف المجهر اللّغويّ النّافذ من الظّواهر إلى الباطن (4) بقلم: صالح مورو/ تونس

قراءة في رواية اللّواجيست لعبد المجيد يوسف

المجهر اللّغويّ النّافذ من الظّواهر إلى الباطن (4)

بقلم: صالح مورو/ تونس

 

*الاسترجاع ودوره في الفواصل الزّمنيّة التّاريخيّة

*لوّاجيست الماضي، رجل المقعد الأمامي-الخلفي:

*حاضره: أواخر العشريّة الأولى من الرّبيع العربي، واقعه بين يدي خليفة حفتر وفايد السّرّاج والمبعوث الأممي... كان سائق سيارة أجرة بليبيا 2007 وسائق شاحنة إغاثة تابعة للأمم المتحدة بجنوب ليبيا باتجاه دارفور، واليوم أصبح لا مقود بين يديه ولا نجمة بكامل دلالاتها. يعيش التيهَ والضياع.              

*ماضيه القريب والبعيد: "عهد القذافي وكيف كانت جرائم القتل تتحل داخل القبيلة والحاكم ما يتدخّلش فيها واللّيبيّة اليوم يتقاتلو موش باسم القبيلة ولكن باسم المصالح الفرديّة... لحساب القوى الأجنبيّة." حنينه وشوقه لتاريخ مدينة غمراسن بولاية تطاوين والتي كانت عاصمة دولةٍ ما بين القرنين الخامس عشر والسّادس عشر، كان اسمها "قصر حمدون". هذه العاصمة سَاسَها رجل بمن فيها وما حواليها من قبائل عربيّة وبربريّة، بعد أن جمع رؤساءها وصالح فيما بينهم فأصبحوا بذلك قوّة إقليميّة اتحاديّة. هذا الرّجل القائد، جاء من السّاقية الحمراء بالمغرب على ظهر ناقة، والذين معه ستّةٌ من رفاقه، غلاظ شداد، لا يعصون سيّدهم ما أمرهم... رحماءُ بينهم، أشدّاءُ على الأعداء... اسمه "الشّريف الإدريسي" قائدُ دولةِ ورغمّة وعاصمتها "قصر حمدون".                                                              

*مُستقبله: يَحلمُ بعودة الماضي التّليد. قال: "شوف يا ولدي، التقدّم الي صارت عليه الشعوب حكاية فارغة... والموديرنيزم والدّيمقراطية والأحزاب والتعدّدية وحقوق الإنسان والانتخابات... موش متاعنا... يحبُّو يلبّسو برطلّة الانتخابات للقبائل اللّيبيّة... حتّى لينا نحن التوانسة خاطيتنا الدّيمقراطيّة... القبيلة مازالت في أعماقنا... والدين والدّيمقراطيّة كيف الشّمس والظّل... يَا مدّيّن، يا ديمقراطي... الاثنين مع بعض موش ممكن. أروبّا ما صارتْ ديمقراطيّة إلا ما خلعت الدّين وخلّاتو في الكنيسة... اليوم ليبيا يلزمها راجل يرجّع اتحاد القبائل... لو يطل علينا (الشريف إلادريسي) فجأة... نأكّدلك اللّوّاج الماشية من تونس لبنقردان وإلا لتطاوين تتعبّا في ربع ساعة"... كانت هذه رؤية لوّاجيست الماضي وما تمثّله خلال فترة العشريّة الأخيرة وما قبلها... قبل ثورة الربيع العربي بالجارة ليبيا... لكنّ السّيلَ جارف والأمر خلاف ما يرى...                                                                                                  

لوّاجيست الحاضر... القائد:

*لوّاجيست الحاضر: واقعهُ حاضرٌ مَعيش... ضمن واقعٍ مُعاصر وجبتْ مسايرته داخل فترة تاريخيّة تشهد تحوّلات عالميّة عميقة بحكم العولمة والمسار الحضاري... وهو ما يقتضي الصبر والأناة والتّروّي والكثير من الحكمة... وبما أنّ هذا اللّواحيست هو قائد المركبة... مركبة تسلّمها للقيادة أواخر العشريّة الأخيرة من ثورة الرّبيع العربي... قيادة كان يحلم بها كمن يحلم بحيازة "نجمة" مُضيئة في ركن من السماء... فيها ما فيها من الآمال والأحلام حياةً، قيمًا، حبّا، حرّيّة... تلك النجمة المضيئة هي "نجمة الرّاعي"، تلك الأسطورة... أسطورة لا ككلّ الأساطير، نزلت من عليائها لتكون بين يدي هذا القائد باعتباره راعٍ لما يقود وأسبغت عليه اسما جديدا "راعي النّجمة" وما تعنيه من دلالات... فإمّا أن يكون في مستوى الرّعاية كما تمّ العهد بينهما، وإمّا فنصيبه الصَّلبُ... ليخرجَ البطل الثّاني... المنتظَر... سيكون ذلك الطفلَ غيرَ المُتوقَع... ذلك النّشء المنتظرَ الذي لن يخيب إطلاقا...   أ لمْ نقلْ إنّه ابن أمّه؟ تلك السيّدة الشابّة السمراء الجميلة، ذاتُ الجسدِ الأسطوري، بضفيرةٍ طويلةٍ تنسكبُ على طهرها، مثلُ هذه الأمّ ما ولدتْ عقيمَا...                                                                                       

 

*مواطن التّناصِّ القرآني داخل الرواية

*(وتبسّم ضاحكا من قولها) مجزوء من الآية 19 من سورة النمل ((فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ...)) والمقصود بالمتبسّم سليمان مع النملة...                                   

*(يُقلّبه ذات اليمين وذات الشمال) في إشارة إلى سورة الكهف، الآية 18 ((وتحسبهم أيقاظا وهم رقود ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال))                                                                           

*(جعلوا الليل معاشا والنّهار سُباتا) عكس مفهوم الآية 47 من سورة الفرقان ((وهو الذي
جعل لكم الليل لباسا والنوم سباتا وجعل النهار نشورا))                                                    

*(وأسرّها في نفسه) في إشارة إلى الآية 77 من سورة يوسف ((قالوا إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل فأسرّها يوسف في نفسه ولم يُبدها))                                                                     

*(هي والرّجل في قميص واحد) في إشارة إلى قميص يوسف شاهدا على صراعه مع امرأة العزيز الآية 25 من سورة يوسف ((واستبقا البابَ وقدّتْ قميصه من دُبر وألفيا سيّدها لدا الباب قالت ما جزاء من أراد بأهلك سوءا إلا أن يُسجن أو عذاب أليم)).                                                                

*(بينهما برزخ لا يبغيان) في إشارة إلى الآيتين 19 و20 من سورة الرّحمان: ((مرج البحرين يلتقيان* بينهما برزخ لا يبغيان)).                                                                                           

*أكله الذئبُ وأنتَ (عنه غافلون) في إشارة إلى يوسف وما قاله أبوه لإخوته حين أرادوا أن يذهبوا به معهم. الآية 13 من عنه غافلون سورة يوسف (قال إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَن تَذْهَبُوا بِهِ وَأَخَافُ أَن يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنتُمْ ((عنه غَافِلُونَ))                                                                                   

*(وبالنّجم هم يهتدون) في إشارة إلى الآية 16 من سورة النّحل ((وعلاماتٍ وبالنّجمِ هم يَهتدون))                                                                                                          

                                                             

بقلم صالح مورو/ تونس

 

الجمعة، 1 يوليو 2022

قراءة في رواية اللّواجيست لعبد المجيد يوسف،،، دلالات الظّواهر والبواطن وما صدر عنها، بقلم صالح مورو/ تونس

 

قراءة في رواية اللّواجيست لعبد المجيد يوسف

دلالات الظّواهر والبواطن وما صدر عنها

بقلم صالح مورو/ تونس


...
حين الوصول إلى صفاقس، صعدتْ سيّدة مع ولدها ذي السنواتِ العشر وابنتِها ذاتِ السّنوات السِّتّ في اتّجاه مدنين. وبذلك أصبح عدد المسافرين سبعة. كانت هذه السيّدة شابّة سمراء جميلة، ذاتَ جسدٍ أسطوريّ، بضفيرةٍ طويلةٍ تنسكبُ على ظهرها. انطلقت السّيّارة في اتجاه "الصّخيرة" حيث ستكون الاستراحة. مسافةٌ ليست بالطّويلة، لكن ما حدث خلالها كان من الغرابة بمكان، نشب صراع بين الطّفل ابنِ السيّدة السّمراء ورجلِ المقعد الخلفي حيث جلس ذلك الطفل، أمّا أمّه وأخته فقد جلستا أمامه. الرّجل الخلفيّ يُهيْمن فيه على كامل الرّؤية الأماميّة والجانبية. وفجأة صاح الرّجل الخلفيّ متألّما فالتفتَ كلّ مَنْ في السيّارة مُتفاجئا، لقد ركل الطفل الرّجل ركلة قويّة على ساقه وهو يصرخ: "ما تخزرش لأمّي... مِن وقت طلعنا وأنتَ تبقّقْ عينيك فيها... أخزرْ قدّامك"...

ابتلع الرّجل الخلفيّ الصّدمة مُحاولا مُحاورةَ الطفل: "وعلاش ما تحبّشْ نخُزرْلها؟" فأجابه: "مَامَا متاعي أنا موش متاعك أنتَ. ما نحبْ حتّى حدْ يخُزرْلها."

حاولت الأمّ تهدئة ولدها، لكنّه كان قاطعًا، حاسمًا. أجبرته أمّه على مبادلة أخته بالمكان. لمّا استقرّ بالقرب من والدته ظلّ يلتفتُ ويُرسلُ بنظراتٍ شزراءَ باتّجاه الرّجل. أمّا أخته فقد التصقتْ بالنّافذة. اعتذرت السيّدة للرّجل، أمّا هو فقد حاول أن يفسّر الأسباب، لكنّ الطفل انتصبَ واقفا مُتمرّدا، رافضٍا كلَّ تعليل. وتواصلت السفرة حتّى الصّخيرة حيث نزل الجميع للاستراحة والغداء... لسوء الحظّ أو لحسنه، لاحظتْ دوريّةُ أمنٍ الرّجلين المُتكتّمين والسّاكتين طوال السفرة، أوقفتهما، طلبت هويّتهما فإذا بهما مطلوبان لديها. تمَّ تَكبيلهما، هما جزائري ومغربي مهرّبان للسّلاح من ليبيا إلى الارهابيّين، مطلوبان من الأمن الجزائري. انتهت الاستراحة والغداء وانطلقت السّيّارة بمن تبقّى من المسافرين في اتّجاه مدنين فتطاوين...

عَنوَنَ الروائيُّ عبد المجيد يوسف روايته بِــــــــ "اللّواجيست أو نجمة الرّاعي" لغايةٍ في نفس يعقوب. الإشارة إلى "نَجمة الرّاعي" هذه، وقعتْ عند فجر اليوم الثاني، بعد وصول اللّوّاجيست إلى "تطاوين-قصر أولاد دبّاب"، مُتخلّصًا من كلّ المسافرين إلاّ الطبيبة. "نجمة الرّاعي"، كُنية أسندها اللّواجيست للطبيبة، التي حلّت بأرضها المُبتغاة من أقصى شمالها "بنزرت" حيث كان مَقامها إلى أقصى جنوبها "تطاوين" على مشارف بلدة "رمادة"، حيث سيكون مَقامها الثاني، وبذلك يُصبح وجودها نورا على كامل بلدها... النّجمة؟ أ ليستْ هي علامة "امتياز" للمرأة، كائنةً مَنْ تكون... هي إشارة انطلاقٍ للرّاعي عند الفجر، تُضيءُ سبيله ساعة الخروج مع الماشية وهي تتلألأ شرقًا، أو العودةَ بها مع المساء بإشارةٍ دوما من نجمته وهي تُشِعُّ غربًا... ذلك ما فسّره "اللّوّاجيست" للطّبيبة، بحسب الأسطورة، وهو يُغادرها رجوعا إلى شمال "تونس" في ذهابه وإيّابه المعتاد بين الشمال والجنوب... ودّعها على موعدٍ للرّجوع إليها وهي باقية كما قالت في انتظاره: تبادلا اسميهما، نسبت لها اسمَ "نجمة الرّاعي" واختارتْ لصاحبها اسمَ "راعي النّجمة " بعد أن سجّلا رقميهما كلٌّ في هاتفه... "بُهِتتْ وصمتتْ مطوّلا، وظلّتْ رانية إليه وملامحه لا تبين، تماما كالنّخلتين، لا يبدو منهما إلاّ شبحان معتنقان وأهدابٌ تخفقُ... لقد مثّل اللّوّاجيست "القائدَ" وبكفاءةٍ في حاضر هذه السّفرة مكانا وزمانا، على العكس من غريمه، رجل المقعد الأمامي-الخلفي، فيما مضى من رحلاته عبر (الاسترجاع) سائق سيارة أجرة بليبيا وسائق شاحنة إغاثة تابعة للأمم المتحدة بجنوب ليبيا باتجاه دارفور... كان عرضة للكثير من الأهوال، لم يسلمْ حتّى من الجنجويد الذين نكّلوا به ومرّغوا أنفه في التراب... بالرغم من ادّعائه العلمَ والمعرفة والمهارةَ في كلّ شيء... الاثنان، لوّاجيست الحاضر والماضي، كلّ منهما يُمثّل فترة تاريخيّة لنظام سياسيّ-اجتماعيّ معيّن: لوّاجيست الحاضر يمثل أواخر العشريّة الأخيرة من فترة ما بعد الربيع العربي بتونس، أمّا لوّاجيست الماضي فهو مُمثّل لفترة العشريّة الأخيرة قبل ثورة الربيع العربي بالجارة ليبيا... بقيَ قائدها بلا نجمة وهو يبحث عنها بين الوجوه مُتشبّثا بالمكان الأمامي حتّى فقده وفقد الوجه المرغوب في مواجهة مع طفل صغير داخل اللّوّاج، ابنُ أمّه، ابنُ السّيّدة السمراء، ذات الجسد الأسطوريّ، ابن طبيعة وسليقة، يفهم ما له وما عليه، باطنه نسخة من ظاهره لا غبار عليه... مازال أوديبيّا ويبقى كذلك حتّى الشيخوخة. من لا يغار على أمّه فلا دين له... نَشؤٌ آخر لمستقبل آخر ناضج قبل أوانه، ربّما ليتسلّمَ المشعل حين الفُتُوّة من لوّاجيست الحاضر إذا ما زاغَ وهوى وقُيِّدَ مُطلّا من على شرفةٍ على "نجمة الرّاعي" لأنّ هذه المرّة لن تُمسخ ولن تطلع إلى السماء... هي ها هنا باقية في انتظار من سيكون في مستوى قَوامها، منتصبا يُدافع على سلامتها.

*خلاصة القراءة :

... وأنا أنهي هذه القراءة المتواضعة بما ضمّت من هفواتٍ، بقيتُ مسكونا بذلك الطّفل الشّهم ذي السنوات العشر، الذي ركل الدّكتور، الرّجلَ الأماميَّ-الخلفيَّ، ركلةً صاحَ لوقعِ ألمها صيحةً قضّتْ مضجع كلّ من في السّيّارة... نفخ الطفل كالأفعى صارخا في وجه هذا المسكين: - ما تَخزْرَشْ لأمّي... من وقت طلعنا وأنت تبقّقْ عينيك فيها... أخزر قُدّامكْ...

أيُّ فحل هذا الذي انفجر فجأة؟ أ يكون هو البطل الفعلي في هذه الرّواية وأنا عن ذلك من (الغافلون)؟ وما المانع؟ هو أجرؤهم وأشجعهم وأوضحهم... في (استرجاع) لي لعقودٍ من السنين خلتْ، في أوّل عهدي بمهنة التّدريس، عثرتُ على قولةٍ لأحد الباباوات الكبار في نصٍّ باللغة الفرنسيّة يقول فيها متحدّثا عن الطفل وأهمّيّته ما مضمونه: ((كم يكون العالَمُ أفضلَ لو أنّ مُهمّة عدمِ جرحِ نفوس الأطفال تحتلُّ أكثر عقولَ الرّجال...)). حفظتها في نصّها الأصلي وعملتُ بها طوال مهنتي مع الأخذ بكلّ شيء من طرف...

لآلئُ من بحر المطالعة

مقاطع في صورٍ زادتني نشوة مع ابتسامة:

زَأرَ واحدٌ صعيديّ "بلغَ الفراتَ زئيرُه والنّيلا": السّتّاتْ أوّلا ااا سيّدة شابّة سمراء جميلة، ذاتُ جسدٍ أسطوري، بضفيرةٍ طويلةٍ تنسكبُ على ظهرها...

نَحله أنا... باش أنْطِيحْ في صَحْفَه عسل ااا

اللِّي حَطْبِتُّو الحَايْرَهْ شَيْحَتْ بِيهْ حْرَامْها... 

بقلم صالح مورو/ تونس

 

مرحبا بكم في مجالس الرّكن النيّر للإبداع

23-4-2020

Flag Counter

أصدقاء مجالس الرّكن النيّر

أبو أمين البجاوي إسماعيل هموني البشير المشرقي البو محفوظ العامريّة سعد الله الفاضل الكثيري أماني المبارك أميرة بن مبارك إيمان بن ابراهيم إيناس أصفري بدوي الجبل بسمة الصحراوي بشر شبيب جمال الدين بن خليفة جميلة القلعي جميلة بلطي عطوي حليمة بوعلاق خالد شوملي خير الدين الشابّي رائد محمد الحواري سعيدة باش طبجي سلوى البحري سليمان نحيلي سنيا مدوري سوف عبيد صابر الهزايمه صالح مورو صباح قدرية (صباح نور الصباح) صبيحة الوشتاتي صفيّة قم بن عبد الجليل عبد الأمير العبادي عبد الحكيم ربيعي عبد العزيز جويدة عبد الفتّاح الغربي عبد الله بن عيسى الموري عبد المجيد يوسف عدنان الغريري عزّ الدين الشّابّي عنان محروس غادة إبراهيم الحسيني فاطمة محمود سعدالله فردوس المذبوح فيروز يوسف فيصل الكردي كفاية عوجان لطفي السنوسي لطفي الشابّي لمياء العلوي لودي شمس الدّين ليلى الرحموني محمد القصاص محمّد الهادي الجزيري محمّد سلام جميعان محمّد صوالحة محمّد مامي محمّد مبروك برهومي محمد مبسوط مختار الماجري مراد الشابّي منى الفرجاني ميساء عوامرية ناصر رمضان ندى حطيط هندة السميراني وهيبة قويّة يوسف حسين