الاثنين، 30 أغسطس 2021

عن الجنون في الحضارة العربيّة، من خلال: نزهة الألبّاء في طبقات الأدباء للأنباري (2) ورقة من إعداد الباحث: عبد المجيد يوسف/ تونس

 

عن الجنون في الحضارة العربيّة،

من خلال: نزهة الألبّاء في طبقات الأدباء للأنباري

ورقة من إعداد الباحث: عبد المجيد يوسف/ تونس

الورقة الثانية

2/ كلام المجنون

لمّا سُئل أبو العباس المبرد عن سبب اختلافه إلى مواضع المجانين والمعالجين قال: "إنّ لهم طرائف من الكلام".

يعتبر جواب المبرد تثمينا لكلام المجنون. وهو بهذا الموقف إنّما يؤكد موقفا قديما ورد علينا من الإغريق، فقد تحدّث أفلاطون عن الجنونMania في المحاورة التي تحمل اسم "فادر"Phèdre فقابل بين الهذيان والاعتدال والسّيطرة على الذات... وجعل الهذيان متعاليا وسماويّا فقال: "إنّ أرقى الفضائل يأتي إلينا بواسطة الجنون الذي هو هبة إلهية" وقال: "إن نبيّات دلف Delphes (معبد تتلقّى فيه النبيّة تعاليم أبوللون) وراهبات دودون.Dodone  (معبد خاص بزيوس وللإلهة الأم ديوني) وهنّ يتخبطهنّ الجنون وهبن اليونان أعظم الأمور وأجملها سواء للأفراد أم للمجموعة". (انتهى النقل عن أفلاطون).

ويستفاد من خطاب المجنون الذي لقيه المبرد أنّه أبعد ما يكون عن الحمق والهذيان فهو من ناحية ذو بُنية منطقيّة سليمة لا خلل فيها، ثمّ إنّ كلامه فيه محمول معرفيّ بأهل الثقافة وبالشعر. قال وقد رأى معي محبرة: "معك آلة رجلين أرجو أن تكون أحدهما، تجالس أصحاب الحديث... أو الأدباء أصحاب النّحو والشعر؟" (نهاية النقل) وفي بعض مراحله ذو بنية حجاجية حين تعلّق الأمر بالجدال في نسب المبرّد...

ونستخلص من هذا أنّ كلام المجنون خضع للأنساق اللسانية القياسية للخطاب وفارق الوضع اللساني المعروف للهذيان بمخالفة سُنن التخاطب. فماذا يبرّر أن يصنّف هذا الشيخ مجنونا ويجبره على الإقامة بالمارستان؟

ها هنا قضية أخرى كان فوكو أثارها وليس لدينا في النّص المدروس مستند لمناقشتها وهي: من يعيّن المجنون؟ من له صلوحية تصنيف إنسانا ما مجنونا؟

وليس أقلّ استقامة من حديث مجنون المبرّد حديث مجنوب أبي بكر الأنباري. فهو يجادل في القرآن وتأويله وفي القراءات وفي اللغة.

وبهذا فإنّ الوضع اللساني لكلام الجنونين مفارق تماما لوضع الهذيان الذي يعتبره الفروديون فوضويا لا يخضع لا لبنية ولا لسُنّة من سنن التخاطب في حين يعتبره جاك لاكان ذا بنية، مهيكلا تماما مثل اللغة وله نسقه الخاصّ.

والسؤال الذي يطرح: لماذا شغف المبرد بكلام المجانين الذي هذه صفته وقد كان يجد شبيها به في مجالس اللغوين والأدباء؟

ربّما كان الدّافع -وقد تكرّرت زيارته لمواضع المجانين حسب سؤال المازني- أن يعثر على خطاب مفارق لما كان ينبغي أن يصدر عن مجنون من الهذيان والحمق. والغاية العميقة تبدو رغبة في اللعب والتّفكّه. وهناك وضعية شبيهة نعيشها ببراءة شديدة هي استماعنا إلى الأطفال الموهوبين الذين يصدر عنهم خطاب متعال على الخطاب الطفوليّ، خطاب متّسم بالمعرفة أو الحكمة التي لا ينبغي للطفل امتلاكها، فيثير فينا ذلك الاستغراب والغبطة. وإذن فقد كان للمبرد غاية لعبيّة Ludique متمثلة في الحصول على خطاب طريف أي مخالف للسّنن، وهذه عادة الناس مع المجانين. قال ميشال فوكو في محاضرته: "المجنون كما في المجتمعات البدائيّة ذو وضع متفرّد في مؤسّسات اللعب، ويجب أنْ نلاحظ أوّلا أنّ المجنون موضوعُ لعب، فالمجنون يُلعب به، يتخذ موضوع سخريّة (وهو) موضوع لعب وموضوع ضحك" (نهاية النقل عن فوكو).

وما حدث مع المبرّد أنّه هو الذي كان موضوع سخرية للمجنون، فقد جاوزه دون السلام عليه، فقد ورد في جواب المبرد: "دخلت يوما إليهم فمررت على شيخ منهم... فجاوزته إلى غيره، فقال: سبحان الله، أين السّلام؟ من المجنون؟ أنا أم أنت؟ فاستحييتُ منه فقلتُ: السّلام عليك ورحمة الله وبركاته. فقال: لو كنتَ ابتدأتَ لأوجبتَ علينا الرّدّ، على أنّنا نصرف سوءَ أدبك على أحسن جهاته من العذر، لأنّه كان يقال: للدّاخل على القوم دهشةٌ..." (انتهى النقل من جواب المبرّد) وهذا يتّفق تماما مع قول فوكو: "والأغرب من هذا أنّ المجنون يَتّخذ الآخرين موضوعَ لعب، ويتّخذ جِدّ العقل لعبا، إنّه يلعب بجدّ العقلاء ويتّخذه هُزُؤا" (انتهى النقل عنه).

وخلاصة القول فيما يخصّ ما ورد في كتاب أبي البركات الأنباري "نزهة الألبّاء" متعلّقا بالجنون أنّه في الحضارة العربية في القرن الثالث الهجري كان الجنون معترفا به مرضا يعالج وقد عزل المجانين في أمكنة خاصة بهم، لكن هذا الأمكنة كانت مفتوحة للعامة فالعزل كان ذا اتجاه واحد وعومل المجانين معاملة خاصة يُحبسون داخل هذه الفضاءات ويقيّدون.

ولسنا نعلم (انطلاقا من كتاب نزهة الألبّاء) من كان بيده تعيين المجنون ووضع تشخيص لحالة الجنون... ويظهر الجنون في اعتراء سلوك المجنونين غرابة، قال المبرد وقد تعرّف المجنون على هويته استخلاصا من طرح الأسئلة عليه: "أنت المبرد أنت المبرد، وجعل يصفق وقد انقلبت عينه وتغيّرت حليته...فبادرتُ مسرعا خوف أن تبدر لي منه بادرة ونجوت ...منه" (انتهى النقل من قول المبرد) وفي سلوك المجنون الثاني تمثل السلوك الغريب انغماسه في النّجاسة.

بيد أنّ كلّ هذا يخالف تماما ما دأب عليه المجانين من الهذيان الخارق لسنن التخاطب، فكان كلام المجنونين منسجما ذا بُنى منطقية، خائضا في أعقد المسائل المعرفية وفي المعارف السّائدة في العصر كاللغة والشعر والأنساب.

الباحث: عبد المجيد يوسف/ تونس

للاطّلاع على الورقة الأولى (الرابط) اضغط هنا

الاثنين، 23 أغسطس 2021

عن الجنون في الحضارة العربيّة، من خلال: نزهة الألبّاء في طبقات الأدباء للأنباري (1) ورقة من إعداد الباحث: عبد المجيد يوسف/ تونس

عن الجنون في الحضارة العربيّة،

من خلال: نزهة الألبّاء في طبقات الأدباء للأنباري

ورقة من إعداد الباحث: عبد المجيد يوسف/ تونس

الورقة الأولى: 

هذا الموضوع لسنا السّابقين إليه، لِنُشِرْ فحسب إلى أطروحة ميشال فوكو حول تاريخ الجنون وكذلك إلى محاضرته حول الجنون والحضارة التي ألقاها بتونس في نادي الطاهر الحداد أواخر الستينات من القرن الماضي ونشرت بالكراسات التونسية... وهي التي عرّبناها وسوف تصدر قريبا عن دار المنتدى للنشر والصحافة. وقد أشار فوكو في محاضرته هذه إلى أنّ الحضارة الإسلامية من أوائل الحضارات التي اعترفت بالجنون مرضًا... وهذا أمر له أهمية شديدة لأنّه تجاوز التفسيرات الخرافية والميتافيزيقية لسلوك المريض وأحواله، لكنه لم يشر – في المحاضرة- إلى مصدر من المصادر العربية أو الإسلامية التي تحدّثت عن الجنون وصنّفته مرضا صريحا نظرا للطبيعة الشفهية للكلام في إطار المحاضرة. وربّما كان اعتمد على وجود مؤسّسة المارستان المخصّصة لهذا المرض في تاريخ متقدّم. ولا شكّ أنّ العرب أوجدوا مؤسسة المارستان بناء على ما تلقوه من تأثير من اختلاطهم بالفرس وما نقلوه عنهم. وما يهمّنا في هذا المقال أننا وجدنا حديثين في كتاب "نزهة الألبّاء في طبقات الأدباء" لأبي البركات الأنباري يتعرّضان للجنون ليس باعتباره موضوعا خالصا للتأمّل ولكنّه حادث عَرَضَ في سيرة أحد اللغوين المرموقين في القرن الثالث الهجري هو أبو العباس المبرّد (210/285) للهجرة. وفي سيرة أديب لغوي آخر هو أبو بكر الأنباري شارح المعلقات (271/328) للهجرة.

تروي سيرة المبرد أن اللغوي أبا عثمان المازني سأله في أحد المجالس: "بلغني أنك تنصرف من مجلسنا فتصير إلى مواضع المجانين والمعالجين، فما معنى ذلك؟"

1/ العزل

وسؤال المازني هذا يحمل ملحوظات مهمّة فيما يخصّ الجنون، منها أنّ المجانين يعزلون في موضع خاص بهم، لكنّنا لا نعلم بشكل قاطع طبيعة هذا المكان... بيد أنّنا نجد في النصّ الذي يتحدّث عن سيرة أبي بكر الأنباري أنّه دخل البيمارستان بباب المُحَوّل (ببغداد/ انظر ياقوت) فسمع صوتا يجادل في مسائل القرآن وتأويله فقال لصاحب البيمارستان: من الرّجل، فقال: إبراهيم المُوَسْوَس، مجنون. فقال ابن الأنباري: ويحك هذا كعب بن أُبَيّ، افتح الباب عنه. ففتحه فإذا أنا برجل منغمس في النّجاسة..." (لا يختلطنّ عليك أمره بأُبَيّ بن كعب الذي تُرجّح وفاته في خلافة عمر حوالي سنة 22 للهجرة).

فما يستفاد من الحديثين أنّ المجانين كانوا يعزلون عن العامة... فمنهم من يجلس في العراء داخل هذا المكان أيّ في فضاء مفتوح لكنّه يكبّل، ومنهم من يُحبس في غرفة ويغلق دونه باب. وإذ نقارن بين الوضع العقلي للمجنونين نرى أنّ صاحب المبرد لم يذكر عنه أنّه "غارق في النّجاسة" عكس صاحب ابن الأنباري وهذا قد يدلّ على أنّ كيفيّة العزل تحدّد بحسب خطورة الحالة وإغراقها في العته.

وهكذا نستنج صورة عن فضاء المارستان : غرف تغلق من الخارج خاصة بالمجانين الذين قد يمثلون خطورة أو يخرقون إجراء العزل وفضاء مكشوف أو مفتوح يخصّص للمجانين الأقلّ خطورة مع الاحتياط منهم بتكبيلهم والتكبيل دلالة لا شك فيها على رغبة المجنون في مغادرة المارستان. ففي حديث المبرد: "...فرأيتُ القيد في رجله إلى خشبة"... والعزل إنّما يتمّ باتجاه واحد فيُعزل المجنون عن الاتصال بالعامة لكنّ العامة لا يمنعون من الاتصال بالمجانين لأسباب لعلها هي ما أشار إليه فوكو في محاضرته: "المجنون موضوع سخريّة وموضوع لعب وموضوع ضحك" لكنّ هذا السّبب ليس هو ما قد يحدو برجل كأبي العباس المبرّد صاحب "الكامل في اللغة والأدب" إلى أن يتردّد على مكان المجانين.

2/كلام المجنون

يتبع... (الورقة الثانية)

الباحث: عبد المجيد يوسف/ تونس

الأحد، 22 أغسطس 2021

غرق الرّوح، كفاية عوجان/ الأردن

 

الأديبة: كفاية عوجان/ الأردن

غرق روح

 

حين تحاول أن تغضب وتجد أنّ الغضب غير كاف أو أن تصرخ وتجد أن صوتك غير كاف

حتى الموت  تستدعيه  فتجده بعيداً بعيداً.

تضحك، تبكي وترتعش أوصالك،

تظنّ  أنّك فقدت عقلك... فتجده أكثر يقظة وحضوراً ، لا تغادره صغيرة ولا كبيرة...

ثمّ  يسيطر عليك العجز  ويجتاحك الهدوء... كما المقابر...

يسكنك الموت ولا تموت 

وتسكنك الحياة ولا تحيا...

أشعِل في العتمة شمعة وابحث عن طريق توصلك إلى نفسك...

تسلّل إلى أعماق نفسك تماما كما السلحفاة ...

 اشرب وحدتك  والتهم أوجاعك واستدعِ كلّ أسلحتك من تحدّ  وأمل وصبر وجمال لتخوض معركتك مع ذاتك...

استدعِ أجمل الصور وأشعلها شوقا ليزيد الزمهرير. لتهتدي بضلالك، وتقوى بضعفك

وارخِ خدر اللاّ مبالاة  في أوصالك

وأنصت لدويّ زفرات قلبٍ لم يتّسع يوما  لها صدر الحياة.

أنصت إلى أعماقك  ليبوح الصمت بتنهيدات الريح...

و انجُ بهلاكك، بكثير من الجراح. ..

اغرق بسلام في لجة حلمٍ احتشدت فيه جيوش من الغيم  تقطر أثير ضوء قمر أسير.

كفاية عوجان/ الأردن


الجمعة، 6 أغسطس 2021

وشم النجاة، جميلة بلطي عطوي/ تونس

الشاعرة: جميلة بلطي عطوي/ تونس

وشم النجاة

إطلالة النور

قدّت قميص اللّيل

شقّت صداره

تسوّرت كلّ العقبات المندسّة .

بإثمد الضوء

كحلت جفون النهر

فبات البصر حديدا

وامتدّ الخرير شريان بعث

سقى الضفاف المنهكة،

استفاقت الحياة  من  الغيبوبة

استردّت أنفاسها

ربتت على خدود الزهور العطشى

فتحت أفواه الرفاه

قرب سخاء ونماء .

إطلالة النور

دثّرت الأجساد المتهالكة

أيقظت أجنّة كاد يأكلها العقم

فتمطّى الحمل

تمادى عملاقا

على الضّفاف

بين الوهاد

فوق الروابي

والشمس تبتسم في خفر

 تقبّل خدّ الساقية

تلبس الحقول حلّة ذهبيّة

تزرع في كلّ القلوب بذرة عود

وخضرة عود

تقيم مهرجان  النور،

على جدار الزمن  ترسم

وشم النجاة.

بقلم: جميلة بلطي عطوي

تونس، 3/ 8 / 2021


مرحبا بكم في مجالس الرّكن النيّر للإبداع

23-4-2020

Flag Counter

أصدقاء مجالس الرّكن النيّر

أبو أمين البجاوي إسماعيل هموني البشير المشرقي البو محفوظ العامريّة سعد الله الفاضل الكثيري أماني المبارك أميرة بن مبارك إيمان بن ابراهيم إيناس أصفري بدوي الجبل بسمة الصحراوي بشر شبيب جمال الدين بن خليفة جميلة القلعي جميلة بلطي عطوي حليمة بوعلاق خالد شوملي خير الدين الشابّي رائد محمد الحواري سعيدة باش طبجي سلوى البحري سليمان نحيلي سنيا مدوري سوف عبيد صابر الهزايمه صالح مورو صباح قدرية (صباح نور الصباح) صبيحة الوشتاتي صفيّة قم بن عبد الجليل عبد الأمير العبادي عبد الحكيم ربيعي عبد العزيز جويدة عبد الفتّاح الغربي عبد الله بن عيسى الموري عبد المجيد يوسف عدنان الغريري عزّ الدين الشّابّي عنان محروس غادة إبراهيم الحسيني فاطمة محمود سعدالله فردوس المذبوح فيروز يوسف فيصل الكردي كفاية عوجان لطفي السنوسي لطفي الشابّي لمياء العلوي لودي شمس الدّين ليلى الرحموني محمد القصاص محمّد الهادي الجزيري محمّد سلام جميعان محمّد صوالحة محمّد مامي محمّد مبروك برهومي محمد مبسوط مختار الماجري مراد الشابّي منى الفرجاني ميساء عوامرية ناصر رمضان ندى حطيط هندة السميراني وهيبة قويّة يوسف حسين