‏إظهار الرسائل ذات التسميات نقد. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات نقد. إظهار كافة الرسائل

الثلاثاء، 13 يونيو 2023

"وقائع حارة الزعفراني" لجمال الغيطاني رواية الحدث الواحد رغم الإيهام بالتعدّد،،، مختار الماجري/ تونس

الأستاذ: مختار الماجري/ تونس
 

"وقائع حارة الزعفراني" لجمال الغيطاني

رواية الحدث الواحد رغم الإيهام بالتعدّد

إنّ الكتابات الروائية الحديثة النازعة إلى التحضّر، كتابات مغامِرة تنحو منحى التعدّد، وفي نهجها ذاك تقطع مع المعتاد في الكتابة الروائية مبنى ومعنى وبصفة خاصة على مستوى البنية المشكّلة للرواية وأعني بها بنية السرد خصوصا.

يُعَدّ الإيهام بالتعدد من الخصائص الأسلوبية المميزة في الرواية العربية الحديثة، ويعني إيصال المؤلف لمعانٍ متعددة للكلمات والجمل بمعنى واحد. ويتم ذلك عن طريق استخدام تقنية اللفظ بالمعنى المجازي، أو تشكيل الجمل بطريقة ملتبسة أو غامضة تفتح المجال لتفسيرات مختلفة.

ويتمثل الإيهام بالتعدد في الرواية العربية الحديثة في استخدام الأساليب اللغوية والأدبية المختلفة مثل التشبيه والاستعارة والمجاز والاستدراك، وغيرها من الأساليب التي تساعد على تحقيق هذا الغرض. ويهدف الإيهام بالتعدد إلى إثراء المعنى وتعميقه، وترك الباب مفتوحاً لتفسيرات متعددة، ما يجعل القارئ يتفاعل مع النص ويستمتع بالتأمل والتفكير في معانيه المختلفة. غير أنّ هذه الروايات المتجاوزة للمألوف في مختلف أنساقها نجدها – بعد قراءة متأنية – تقتضي دقّة في النظر، فهي توهم المتلقّي – من خلال قراءته الأولى- بالتعدّد في جل منعطفاتها ومواطن تأسيسها. لكنّ الثّلَجَ في أمرها هو وحدة الواحد المختفي وراء المتعدّد المختلف، وفي صلب هذا التوجّه الروائي تُطالعنا رواية "وقائع حارة الزعفراني" للروائي المصري جمال الغيطاني المنتمي إلى تيار التجريبيين في عالم الرواية. وقد كتب الرواية المذكورة في بداية السبعينات (1973) مصوّرا فيها موقفه من العالم عموما والعالم العربي خصوصا والعالم الأدبي بصفة أخصّ، فكانت رواية الواحد المسكون بالتعدّد.

فكيف تبدو رواية «وقائع حارة الزعفراني» لجمال الغيطاني، رواية الحدث الواحد الموهم بالتعدّد؟ بصيغة أخرى، أين تتجلّى الفرادة الموهمة بنقيضها في الرواية المذكورة؟

أُلّفت الرواية عام 1973 أي في مرحلة ما بعد الناصريّة مباشرة، تلك المرحلة التي شهدت هزّات سياسية واجتماعية عنيفة أفضت إلى تفكك المجتمع العربي والأفراد وانعكست على مختلف البنى فأفضت إلى نثرية العلاقات الاجتماعية.

    ولئن بدت الرواية خارجة عن سياقها التاريخي والمجتمعي فإنّ الروائي حريص على جعلها شاهدا على تلك الأوضاع أو تلك المرحلة الزمنية المخصوصة لا سيما وأنّ الغيطاني صرّح باهتمامه "المبكّر، منذ فترة بعيدة، بالتاريخ"، فهو يعود إلى التاريخ ويعتمده من مراجع الكتابة الروائية ليحوّله إلى دلالة رامزة فيما يكتبه، فهو لا يستنسخ الحادثة التاريخية وإنما يُحييها لتتضمّن الواقع المعيش الراهن.

     وللحديث عن مظاهر الفرادة الموهمة بالتعدد في " وقائع حارة الزعفراني" لا بدّ من التساؤل عن بنية الرواية المذكورة؟ ونستهل الإجابة عن هذا السؤال بالنظر في العناوين أوّلا لأنها تساعدنا على تمثّل نسيج الرواية العام. فالعنوان الرئيسي "وقائع حارة الزعفراني"؛ نحن إزاء ثلاث معطيات: "وقائع" – "حارة" – "الزعفراني". فلِمَ هذه المعطيات بالذات دون سواها من المرادفات؟ وما هي دلالاتها وأبعادها؟ بصيغة أخرى: لِمَ لَمْ يقل بدل "وقائع" أحداث أو أخبار؟ ثمّ هل إنّ الحارة تمثّل المكان في هذه الرواية الذي يستقطب الشخصيات والأحداث ويسِم خصوصية البناء الروائي؟ و "الزعفراني" هل هو مكان محدّد في القاهرة أم هو من نسيج المتخيّل الروائي؟

      لو نظرنا في التعريف اللغوي لكلمة "الوقائع" نجدها لا تخرج عن حيّز المصائب والحروب، وقد عرّفها ابن منظور في "لسان العرب" حيث تناول الجذر الثلاثي للكلمة "وَقَعَ" ومنها الواقعة التي عرّفها بالداهية أو النازلة وهي كذلك القيامة واستدلّ بالقرآن «إذا وقعت الواقعة ليس لوقعتها كاذبة»، ومنها " الوقيعةُ والوَقْعَة’: الحرب والقتال وقيل المعركة، الجمع: وقائع. ووقائع العرب: أيام حروبهم"². أمّا "حارة الزعفراني" فهو تركيب إضافي يُعرّفُ فيه المضاف عن طريق المضاف إليه، أي تُعرّفُ الحارة بالزعفراني.

ويختزل لفظ "حارة" دلالات مختلفة:

*دلالة المكان: وما فيه من تفاصيل الحياة اليومية.

*دلالة المجتمع: فالحارة حيّ، مجمع سكنيّ، تساكُن ٌ وتجاورٌ: مجموع صلات بشرية.

*دلالة التاريخ: فالحارة تركيب معماري يجسّم تاريخا قديما أو حادثا.

*دلالة الوجود: وذلك في مواصلة الحياة عن طريق توارث الأبناء الحياة عن الآباء.

إضافة إلى هذه الدلالات نجد علامات كثيرة في النص تؤكّد أنّ "حارة الزعفراني" كائنة في القاهرة.

    أما العناوين الفرعية فتمثل نسيج الرواية عامة، والرواية ملفات، والملف يحيل على عديد السياقات. إذ نجد مثلا ملفا إداريا وآخر صحافيا، ومثل هذه الملفات لا تهمنا بقدر ما يهمنا الملف البوليسي، إذ كلمة ملف كما وضعها جمال الغيطاني تعني في مستوى أوّل ما يحيل على دلالة الملف البوليسي ويظهر ذلك في الترقيم وفي التفصيل أحيانا وفي الإيجاز أخرى والتجميع أيضا (تجميع الأخبار). وهي ملفات أربعة يبدأ أولها بتعريف الشخصيات الأساسية في حارة الزعفراني و "معلومات مستقاة عنها من مصادر شديدة العلم بما يجري في الحارة"² أما الملف الثاني فهو ينطلق من الأحداث -على عكس الملف الأوّل الذي انطلق من الأسماء- وكذلك الملف الثالث والرابع وكلاهما مواصلة للملف الثاني، أي مواصلة للأحداث التي جرت يوم الجمعة وأيام تالية لذلك اليوم³ وتضم هذه الملفات بعض المشاجرات و الأحداث التي وقعت في الزعفراني و خاصة في الملف الرابع وهو ملحق للملف الثالث إذ فيه ما يدل على الوقائع من مشاجرات عديدة أغلبها مشاجرات نساء لانتشار المرض (العُنّة) و اختلال التوازن النفسي.

        وحريّ بنا في هذا المبحث أن نعود إلى الإجابة عن السؤال المركزي حول مظاهر الفرادة الموهمة بالتعدد، فالرواية واحدة والحال أنّ عنوانها يحمل في ذاته التعدّد (وقائع)، كما أنّ الرواية حاملة للغز واحد أو ما يشبه اللغز على حين تتجمّع حوله وحدات سردية عديدة، أي في الرواية وضع إشكالي واحد وهو الحدث الأساسي: العنّة بينما المظاهر الدالة عليه متعددة. إنّ نظام السرد في الرواية نقطة واحدة غير أنها تتكاثر حدثيّا لتظلّ مشدودة إلى موقع واحد الذي هو موقع حابس وحبيس معا. فالرواية توهم بالانفتاح صوب زمن مستقبلي إلاّ أنها لا تخترق حدود ذاتها، وكذلك السرد يبدو مفكّكا في الاتجاهين: ما قبل السرد وما بعده بينما هو رهين لحظة واحدة هي الآن. أمّا الزمن في الرواية فيختصر الماضي وينفي المستقبل في الظاهر ويؤدي إلى مستقبل مجرّد لا وجود فيه للحركة ولتمثّل الأشياء والتفاصيل، إذ يوهم بانفتاح الأفق ولا أفق. كما نلاحظ أنّ بنية الأحداث في الرواية تمثّل انغلاقا داخل اللحظة المترسّبة على حين أومأ السارد إلى أزمنة متلاحقة، ولا ننسى التتابع الموحي بالتعدّد ويتجلّى في تعاقب الأحداث الفرعية (1949 – 1954 – 1964) في مدار الحدث الواحد المركزي (العُنّة)، هذا التتابع نجده في ملف خاص "الثورة". كما أنّ النصّ يرد في تقارير والحال أنّ الكاتب واحد، والموضوع لا يخرج عن حيّز حارة الزعفراني، والزمن يبقى الماضي. هذا وإنّ تقنيات الرجوع إلى الماضي عديدة بيد أنّ هذه الوحدات الاستطرادية لا يمكن قراءتها خارج نمط التطوّر العام. ويُلاحظُ أنّ العناوين كثيرة على امتداد النص ولكن كلها تتصل بحدث واحد: العنّة، وكذلك الأساليب: تضخيم الحرف كتابيّا، استخدام الترقيم (3،2،1....) أو الترتيب الأبجدي (أ، ب، ج..) أو التنقيط، كل هذا التنوّع والحدث واحد. ولعلّ التعدّد الجدير بالذكر في هذه الرواية هو تعدّد الأجناس الأدبية داخل هذا الأثر الواحد، حيث نجد القصّة والنادرة والحدث اليومي والمذكرات والشعر، وهذا التعدّد في تركيب الخطاب الروائي يعني التداخل بين نصوص مختلفة ضمن بناء واحد.

        إنّ "وقائع حارة الزعفراني" رواية الانحباس داخل الحدث الواحد وهي وإن تضمّنت عديد التفاصيل والأحداث الجزئية لم تقدر على تجاوز ذاتها بفكّ الطوق الذي لازمها طيلة مسار السرد، هي رواية التوتّر ممثّلا في تكاثر الأحداث داخل موقع واحد.

إنّ الرواية وإن حملت أزمة مجتمع وفاجعة تاريخ فإنها تخطّط لكتابة جديدة يظهر ذلك في مستوى التشكيل الفنّي، وهي وإن بدت لنا رواية الهزيمة والانحباس داخل الموقع الواحد والوضعية الجامدة فإنها تحمل تاريخا ممكنا ومجتمعا بديلا، فرمّانة الساسي لم يُهلك تماما، وتمرّد المجموعة ممكن، والاعتقاد في الشيخ قد يضمحلّ، والنقيض يولد نقيضه. ذلك هو الحلم وإن غيّب وراء ضخامة الفاجعة فإنّه الاستحالة الممكنة في تاريخ مستقبلي.

مختار الماجري/ تونس

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

  الهوامش

  1- لسان العرب - ابن منظور - ج 8 - الصفحة 403

2- وقائع حارة الزعفراني، الطبعة الثانية، مايو 1985 مطبعة مدبولي ص 6

3- المصدر السابق ص 57

الأحد، 29 يناير 2023

قراءة عابرة في بعض كتابات فوزي الديماسي بقلم الأستاذ: مختار الماجري/ تونس

الأستاد: مختار الماجري/ تونس
 

قراءة عابرة في بعض كتابات فوزي الديماسي

بقلم الأستاذ: مختار الماجري

فوزي الديماسي "رجل الفصاحة يدعوها فتجيبه" بتعبير بديع الزمان الهمذاني، فحين تقرأ كتاباته السرديّة تخال نفسك في حضرة الشعر، فسرديّات الرجل مضمّخة بمزيج من النّثر الشّعريّ، وحين تحاول استيعاب هذا المزيج تجد نفسك حيال شذرات فلسفيّة كامنة في ذات الكاتب تصبو إلى الخروج نثرا أو شعرا.

    هو سبيل ارتآه فوزي الديماسي ليرسم من خلاله -عبر لغة تجمع بين العامي والفصيح- نهجا في الكتابة التجريبيّة يلبّي غاية كامنة فيه تنمّ عن اعتراف بفضل مدينة هي بالنسبة إليه "الولاّدة والوسّادة" في الآن ذاته. فانبرى يسجّل كلّ كبيرة وصغيرة مرّت بذاكرته في رحاب مدينة قصر هلال. تلك المدينة الموطن، المدينة الأمّ بما تحمله من ذكريات وعادات وتقاليد وحياة نابضة بالخصوصيّة والتفرّد تنبئ عن اعتزاز الكاتب بانتمائه لهذا الموطن العزيز، فيبدو مأخوذا بتفاصيله وجزئيّاته غارقا في عشقه حدّ النخاع.

    يحاول فوزي الديماسي أن يرسم طريقا يبدو فيه مختلفا عن الكتابات المعهودة، فكتاباته لا تنتمي بشكل واضح إلى السيرة الذاتيّة وإن أوهمتنا بذلك، ولا هي إلى الكتابة الواقعيّة الصّرفة، فكاتبنا يضيف من الخيال الشّيء الكثير على ما يكتب، فيزاوج بين الخياليّ والواقعيّ ليتحرّر من إسار الواقعيّة ويتمرّد على تهويمات الخيال. ولعلّ وسم البعض من كتبه بعنوان يحمل اسم المدينة "قصر هلال" لخير دليل على العلاقة الحميميّة بينهما، فأحدها: " قصر هلال، ذاكرة طفولة... طفولة ذاكرة"، وثانيها "قصر هلال... سيرة مكان". وثالثها "قصر هلال... من هنا عبروا".

فــــــــــ "قصر هلال، ذاكرة طفولة... طفولة ذاكرة" كتابٌ بُني في ثلاثة فصول تتّصل جميعها بنهج الجمهوريّة؛     

1-    من أيام نهج الجمهورية،

2- ما بعد نهج الجمهورية،

3- نهج الجمهورية أكبر ممّا كنت أتصوّر طفلا.

  إنّ الاهتمام بالمكان واضح من خلال عناوين الفصول إلاّ أنّ هذا المكان لم يكتسب أهمّيّته لو لم تكن له علاقة متينة وروابط حميمة بمن سكنوه من جهة وبذكريات الكاتب من جهة أخرى. فالكتاب ضرب من السّيرة والتّوثيق فيهما احتفاء ملحوظ بالتّفاصيل المتنوّعة زمن طفولة الكاتب، وبذلك حمى الكاتب كمّا هائلا من الأخبار والأحداث والذّكريات من الاندثار عبر معطيات توثيقيّة تكون أحيانا مؤرّخة بأزمنة ومواقيت دقيقة كما جاء في مقدّمة الكتاب: "سنة 1995، وتحديدا يوم الأربعاء 1 نوفمبر تاريخ وفاة والدتي سعاد صالح رحمها الله..."1، إلاّ أنّ هذه الدقّة التأريخيّة  كانت إشارة من الكاتب إلى سبب دخوله عالم الكتابة من جهة و إلى  أهمّية الحدث من جهة أخرى، لأّنّها ليست غاية الكاتب الأولى  ولذلك لم تتواصل في كتاباته واقتصر الكاتب على التّسجيل المفصّل دون تواريخ دقيقة لإيمانه بتوجّهه الأدبيّ لا التاريخيّ أو التّوثيقيّ بما في الكلمة من معنى، بل نجد فوزي الديماسي نفسه يستبعد -تواضعا منه- أن يكون مؤرّخا أو موثّقا، و إنّما يرجع ذلك إلى ضرب من النوستالجيا  أو الحنين إلى ماض يرى فيه صورة طفولته السّعيدة فيعيش على وقع ذكراها من جهة ومن جهة أخرى اعتراف منه بفضل هذه المدينة "قصر هلال" عليه، حين احتضنته صغيرا  وعلّمته من تقاليد حياتها الشّيء الكثير. يقول كاتبنا: "إنّ كتاباتي في هذا المنجز ليست بالتوثيقية، أو التأريخيّة، وأنَّى لي بلوغ درجات المؤرّخين وأهل الذّكر في السيوسيولوجيا والأنتروبولوجيا ، و إنّما هي إطلالة يغلب عليها طابع الحنين، ومشاعر النوستالجي..."2 

بل لعلّ الكاتب أدرك الغاية الأساسيّة من هذه الكتابة وهي الاعتراف بجميل المدينة، يقول: "ثمّ إنّ كتابتي هذه ما هي بالكتابة المجانيّة، أو من باب البكاء على الأطلال. وإنّما هي لمسة وفاء لأرض طيّبة عشنا على أديمها حياتنا بحلوها ومرّها، وتقلّبنا بين أحضانها.." 3.

أمّا "قصر هلال... سيرة مكان" فهو كتاب قامت بنيته على فصلين يُختمُ كلّ منهما بهامش مطوّل يشرح فيه الكاتب كمّا هائلا من معاني المصطلحات العاميّة الّتي تمّ توظيفها. ويرسم صاحبه مشاهد واقعيّة وصفا دقيقا تستحيل المشاهد فيه إلى لوحات فنّية تتحرّك أبطالها   أمام أعين القرّاء دارت أحداثها في مدينة قصر هلال، فالكاتب اختار عمدا التّكثيف من استعمال المحلّي اللّهجوي للإبقاء على طبيعة الموضوع وغاياته البعيدة وفاءً لمنهج يتناغم فيه المبنى مع المعنى فيشكّلان معا صورة واضحة لنوستالجيا مفقودة تستأنس بها الذّات عبر الذاكرة.

  أمّا " قصر هلال... من هنا عبروا" فهو مازال قيد الطباعة و إن لم يختلف عن سابقيه من حيث الاحتفاء بتسجيل الوقائع المتّصلة بقصر هلال والسّاحل عموما، وذكر أهمّ الشخصيّات الّتي مرّت بذاكرة الكاتب، فإنّه يختلف من حيث تناول القضايا وبعض المسائل، وقد مكّنني صاحبه مشكورا من الفصل الأوّل قبل طباعة الكتاب، وقد تكون لنا وقفة أكثر دقّة مع بعض مؤلّفاته الأخرى وهي عديدة.

         يحاول فوزي الديماسي أن يرسم طريقا يبدو فيه مختلفا عن الكتابات المعهودة، فكتاباته لا تنتمي بشكل واضح إلى السّيرة الذّاتيّة وإن أوهمتنا بذلك، ولا هي إلى الكتابة الواقعيّة الصرفة، فكاتبنا يضيف من الخيال الشّيء الكثير على ما يكتب، فيزاوج بين الخياليّ والواقعيّ ليتحرّر من إسار الواقعيّة ويتمرّد على تهويمات الخيال. كما نراه يؤلّف بين جملة من الثنائيّات المتضادّة: العامّي والفصيح/ السّرديّ والشعريّ/ الواقعيّ والخياليّ... بحثا عن سبل تجريبيّة في الكتابة لم تُطرق بعد.

مختار الماجري/ تونس

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

الهوامش:

1- "قصر هلال، ذاكرة طفولة.. طفولة ذاكرة"، منشورات ابن عربي الطبعة الأولى 2021، مقدّمة الكتاب، ص9.

2- "قصر هلال، ذاكرة طفولة.. طفولة ذاكرة"، منشورات ابن عربي الطبعة الأولى 2021، مقدّمة الكتاب، ص10.

3- "قصر هلال، ذاكرة طفولة.. طفولة ذاكرة"، منشورات ابن عربي الطبعة الأولى 2021، مقدّمة الكتاب، ص11.

 

الأحد، 22 يناير 2023

تقديم "جارة القمر" للأديبة كفاية عوجان، بقلم النّاقد محمّد سلاّم جميعان

 

الشاعر والنّاقد: محمّد سلاّم جميعان/ الأردن

تقديم "جارة القمر" للأديبة كفاية عوجان،

بقلم الأديب والشاعر والنّاقد محمّد سلاّم جميعان

 

[رؤية إبداعيّة متميّزة قدّمها النّاقد والمفكّر الشّاعر محمّد سلّام جميعان في حفل توقيع كتاب "جارة القمر" للأديبة كفاية عوجان يوم الأربعاء 18/ 1/ 2023 في مركز الملك عبد الله الثاني الثقافي- الزرقاء]:

"لا أدبَ بدونِ حياةٍ أو شعور. ومِثلما أنشأَ اللهُ العظيمُ الكونَ بكلمة، علَّمَ الإنسانَ -أحبَّ المخلوقاتِ إليه- علّمه بالقلم، فطارَ الإنسانُ على أجنحةِ خياله إلى آفاقِ أمانيه وأحلامه، وطاف يُناجي الفكرَ والشُّعورَ عبر أطوار حياته المختلفة.

فمنذ أنْ علّمَ اللهُ آدمَ الأسماءَ، لم يَطْوِ الإنسانُ شِراعَ قلمه. ومازالَ الخَلْقُ يسْطُرون، تارةً يكتبونَ أنفسَهم، وتارةً أخرى يكتبون الناسَ من حولهم والحياةَ ومجالي الفكرِ وخلجات الأحاسيس.

رويداً رويدا، وبخطوٍ واثقٍ مطمئنّ تَعبرُ الأديبةُ كفاية عوجان صرْحَ الأدبِ المُمَرَّدِ بثلاث قواريرَ حِسانٍ ملأتْها من ينابيع نفسها الخصبةِ بالمعنى، وروحِها العالية في مدارج جمالِ الحَرْف.

نعم، ثلاثُ قواريرَ حِسانٍ تعبقُ برؤاها وتسيلُ منها في خاطرِ كيف قارئها الصورةُ والكلمةُ والفكرة.

أنا أعني ما أقولُ، ولا أنفثُ في العُقَدِ، ولا أقولُ أحاجيَ وألغازًا.

تأمَّلوا معي كيف ملأتِ الكاتبةُ قواريرَها الثلاث، كلُّ قارورةٍ منها حَمْلُها وفِصالُها في عامين:

-              حديثُ الصمت عام 2018

-              من فيض الوجدان عام 2020

-              جارة القمر عام 2022

لقد وقفتُ متأمّلاً عند هذه العناوين، وقلتُ لن أُلقيَ رحلي قبلَ أنْ أقصَّ عليكم نبأً عنها، وأولُّها زمانا "حديث الصمت". فاجتماعُ الحديث والصّمت فيه مفارقةٌ لطيفة بين أمرين متباينين، فكأنَّ للصمتَ فمًا يتكلّم محاطاً بهالةٍ رهيبة من الهمس الشّفيف المليء بالموجات الصّوتيّة شديدةِ الانتظام. تسمعُها وتكاد تلمسها من شدّة وضوحها ونجواها. فالصّمتُ هو اللّغةُ الّتي تحوي كلَّ اللّغاتِ. ففي حديث الصّمت يسكتُ اللّسان ويتكلّم القلب، فهي تستمدُّ كلماتِها من قلبِها وروحِها بنفسٍ راضيةٍ مطمئنّة، تتوارى خلف صمتها وهي تتحدَّثُ للعالَم الخارجيّ من وراءِ حجاب.

أمّا في فيضِ الوجدان، فتخرجُ قليلاً من ثوبِ تقمُّص الذاتِ وتَتَّشِحُ بقوسِ قُزَح، فصار الصمتُ فيضًا مُشمِسًا.

حتّى إذا صارت " جارة القمر" أضاءتْ من علٍ بكمال الصّورة والإيقاعِ والمشهد، علامةً على الزّمنِ والتاريخ. وجارة القمر هو كوكبُ الزُّهرةِ لا ينفكُّ عن القمر مكانًا ولا زمانًا، حتّى وإنْ كان القمرُ كلَّ يومٍ هو في شأن... يضيء اليومَ من مكانٍ، وغدا من مكانٍ آخر... يبدأُ هلالاً ثمّ يأخذ بالامتلاء والاكتمال والتزايد، ويتوسَّطُ السماءَ بدراً منيراً.

وقد تسألونَ أين تجدون في "جارة القمر" معنى المفردة وروحها، وكيف رنَّتها وصِبغَتها ولونها؟

فأقولُ بإشارة سريعة: لا تنفصمُ القصيدةُ عن السياق الدلاليِّ للعنوان. وتأمّلوا معي حين تقرأون "جارة القمر" عناوين القصائد التالية وكيف حلّت في بنيتها الشفيفة مفردةُ القمر: منزل الروح، نبض مشاغب، مناجاة تبعثرها الريح، تأويل، خشوع.

ففيها يعلنُ القمرُ عن نفسه لفظاً ومعنىً ومنزلة، كقولها:

ما زالَ يسكُنُ خَلْفَكُم فوقَ الجِدارِ

بقيّةٌ من ذكرياتٍ

نَبْضُها هذي الصُّوَرْ

فَلِمَنْ سأهديها إذا ناجاكمُ ضوءُ القمرْ؟

كنتم هنا الجنائنَ المعلَّقةْ

فكيف أضحتْ رِعشةُ الحنين

في صدوركم ممزَّقةْ.

ففي الروحِ الإنسانيّة عطشٌ لا ينطفئ إلى هذا الجمال التعبيريّ وهذه الموسيقى المتناغمة كخرير الماء، وحفيف أوراق الشجر.

ففي كلمات كفاية نغمٌ وموسيقى عند حدود كلِّ مقطعٍ وانطلاقةٍ مع موجاتِ الأثير وهي تنتقلُ من وحدةٍ تعبيريّة إلى أُخرى كما ينتقلُ القمرُ من فَلَكٍ إلى فلك.

لا أقول لكم اقرأوا الكلمات، بل اقرأوا الخلجات والشعورَ في الكلمات، ليظلَّ دمُ العبارات دافئاً في مشاعركم.

بلغةٍ شاعريّةٍ كتبت كفاية عوجان نصوصها. وما أشقانا نحنُ الأدباء حين نشغل بالنا وفكرنا في الأجناس الأدبيّة ونمنحها صكوك الغفران في الشّعر والنثر... دعونا نعرف معنى التسامح والغفران ونعيشُ حالة من التعايش الفنّي الّذي تعيش فيه المذاهب الفنّيّة على تباينها جنباً إلى جنب حتّى يتولّى الزمانُ أمر الفصل في هذه المذاهب، ولنَنْتَصرْ للجمال حيثما كان في أيِّ لونٍ أدبيٍّ جاء.

لقد قرأتُ "جارة القمر" مرّات؛ مرّة بخشوعٍ متصوّفٍ عابد، ومرّة بإحساس شاعر، ورأيتُ بعين القلب كيف تفتحُ نصوصُ كفاية أذرُعَها للعصافير الزائرة، ولا تبخلُ على واحدٍ بعريشةِ ظلّ، أو ورقٍ أخضر. ففي نصوص كفاية من شاعريّة الحسّ والشعور ما يكفي مزاجَكَ ليشعر كيف كلُّ نغمةٍ تجذبُ نغمة وكيف كلُّ قرارٍ ينادي قراراً حتّى تكتمل سمفونية النصّ عندها فتغدو عالَماً كاملاً بشموسه ومحيطاته ومجرّاته، سواء ما كان من هذه النصوص نشيجاً مكتوماً أو بسمةً مُخْضرّة.

الفنّ الأدبي في طراز هذه النّصوص كالفنِّ المعماريّ، يمكن من خلاله توليد أشكالٍ لا حصر لها. فكما أنّ الفنّ المعماري يعتمد وحدةً أساسيّة هي الحجر لإخراج ألوف التصاميم فإنَّ الوحدة الأساسيّة في هذه النصوص هي النغم.

أحيي كفاية عوجان إنسانة وأديبة، تعمل بصمتِ، كالزهرةِ ترسلُ أريجها بلا ضوضاء، وتبثُّ كلَّ حينٍ في قنديل إبداعها زيتاً جديداً يضيء نصوصها كسنا البرق.

وأحيّيي أُسرتها وعائلتها وهي ترى شريط حياتها وإبداعها ممتدًّا في الزمان.

وأحيّي حضوركم وإصغاءكم

وأُسلِّمُ عليكم "

محمّد سلاّم جميعان/ الأردن

الخميس، 19 يناير 2023

هل الموت قنطرة عبور؟؟ سونيا الفرجاني/ تونس

 

لوحة غلاف رواية المائت للفنّان  طارق السويسي

يكتفي الكاتب أحيانا برأي قارئ عالم.. أو شاعر يستشعر وهج الكتابة ويكتب رجْعَ صدى النصّ الذي أضاءه أو أحرقه.. ضوء بضوء.. وحرقة بحرقة.. ولا أعتقد أنّ كاتبا حقيقيّا يرنو إلى أبعد من ذلك..


نصّ كالذي كتبتْه الشّاعرة الصّديقة عن كتابيْن شقيقين، يملأني الآن بالامتنان والرّضا.. ولن أقول شكرا... إنّما الشّكر لغة يتملّق بها غريبٌ غريبا.. ولكنّي أقول: أيّتها الشّقيقةُ.. كم أحببتُ هذا النصّ وكم أبهجَ روحي، أو أوجعها، لا أدري
..

                                                                لطفي الشّابّي

هل الموت قنطرة عبور؟؟

سونيا الفرجاني/ تونس

أسلوب هذه الرّواية باذخ الصّفاء.. من يدخل عوالمها كمن يشرب في كأس كريستال ويخاف أن ينتهي المشروب ويقع الكأس الفاخر.

جلست وحدي بعد انتهائي من الكتاب الأول "المائت"، كان لابدّ أن أجلس وحدي.

رسمت حائطا،

لا أعرف لماذا فعلت هذا ولماذا كان الجدار سميكا بحيث كنت أضغط على القلم مرّات متتالية ليصير داكنا وأكثر كثافة. قلّما رسمت، فأنا لا أجيد هذا الفنّ العسير ولا أحسن استعمال أدواته الرقيقة.

الريشة لا تتحرّك بخفّة بين أناملي ولا قلم الرصاص.

خلال أيّام قليلة، لم تتجاوز الأربعة، أنهيت العيش مع الكتاب الثاني، لم أجلس، وقفت أمام النافذة المطلّة على"عشّ" النخيل كما نسمّيه هنا، أمام النافذة أم خلفها لا أعرف كيف أحدّد الاتجاه حسب زاويتي أو زاوية الخارج.

لكنّي وقفت طويلا وبكيت بصوت خافت.

هل كان ذلك مؤازرة للموت أم غضبا منه؟ أم نقمة على صاحب صناعته في هاتين الروايتين؟

كتبت للطفي الشابي: أيّها المتوحّش، لماذا قتلتها؟

لماااذا؟؟

وماذا كنت تريد؟

سأقتلك يا لطفي الشّابي في رواية سأكتبها بعد سنّ السبعين.

روايتك أثقلت مفاصلي وكسرت عظامي، قويّة البناء ومتينة الأعمدة.

أيّها الشيطان أنت أيّها الرّوائيّ،

لماذا قلت إنّ المرأة شيطان؟

هل بكيت حين انتهيت؟

أنت متوحش في الكتابة، وفي تقمّص الدور.

فاتن هي أنا في هذا العالم،

روايتك ذبحتني من وريدي إلى وريد أمي.

أنا أتخبّط الآن تحت قدمي روايتك، أراها واقفة في الغرفة بيدين وساقين، روايتك صارت عملاقا في الغرفة، عملاق يتربّص بي.

كأنّك جمعت صراخا فظيعا لا تتحمّله آذان الآلهات.

جمّعته في صدر العملاق،

عملاق بيدين وساقين، ويلي من صراخها الذي قطع آذان الآلهات.

اتّصلت بمنيا فوجدتها تكابد حالة تشبهني الآن.

إنّي أرتعد تحت الشجرة الكبيرة في نصّ "المائت".

بين "لن نعبر الجسر معا" و"المائت" كنت أحمل البئر وأحلم بالحديقة على قول زاهر الغافري.

روايتان مهمتان للطفي الشابي تكتظّان بالموت رغم اختلاف النهاية وارتجاف السير بين ضفّتي أنين.

لن أقيّم العملين كما يمكن أن يفعل ناقد أو دارس أدب أو باحث أكاديميّ، سأتحرّك في مناخات الفقد والفقدان وتشابه تدجين الموت داخل نصّين كثيفين يشبهان النهايات المليئة بالبالونات وأصوات الشماريخ.

هل الموت قنطرة ضرورية للعبور؟

حفلة للأصوات أم حفنة للأموات توزّع على مهل؟

هل الموت في كتابات لطفي الشابي الروائي التونسي، موت عربي؟

هل هو تحيّل الإنسان على حيلة الأزمنة المتراصّة المتشابهة المتشابكة؟

بين الحياة التي تبدو هادئة والموت الضروري الذي يبدو طبيعيا، كان حاجز خفيف، خفيف بدرجة تنافس فيه الكاتب مع اللغة في مبارزة رشيقة صوّرت لنا صراعه المرير معها وصولا إلى الموت المشتهى أو المبتغى أو الموت العبور.

هل كان لطفي الشابي الشاعر يشيّد الموت في كتابيه الروائيين؟ أم ينشده لطقوس بشرية أزلية تعدّدت فيها الميتات وانتهت إلى موت مشتبه؟ أم هو يبني أعمدة الخيانة ليقصفها بأغمدة الموت؟؟

حين بدأت الدخول إلى معالم "المائت" و"لن نعبر الجسر معا"، كنت خائفة، وحملت في يدي عصا غليظة كان اشتراها زوجي ذات صباح من سوق تقليدية، فقط ليزيّن بها مدخل البيت.

تتبّعت حركات الأبطال والبطلات بحيرة وحذر، والعصا في يدي،

هل يتسلّل الابطال للبيت؟

رجال الروايتين مصابون بالّطفح ونساؤها مصابات بالصّفح.

لن أضربهم، لكني سأحذر من لطفي الشّابي،

لن أضرم فيهم النار، لكن الكاتب أضرمها داخلي.

يخطو الكاتب على جسور كثيرة كأنّه خبر قسنطينة، وتعلّق بمقاسات العلوّ والانخفاض فيها فصار خفيفا.

سار على حباله بخفّة وحذر وكتب السقوط والموت بهدوء وحنكة، كتب حياة جميلة طالها الإخفاق وأسقطتها الأنفاق وغطّتها أصناف من أدخنة الاحتراق.

كلّ شيء كان يحترق، حتّى القارئ الخائف.

هل تلك هي الحياة الكبيرة التي نتخفّى فيها ونخفيها ونخافها؟

يكتب لطفي الشّابي الموت المعلن والمبطّن والمؤجّل، بشغف التقصّي وحنكة التصوير الدقيق، كمن يجوب مقبرة الأحياء ليصنع لهم فيها مكننة الموت المتسلسلة، إنّه موت تصنعه الرأس مالية أو يصنعه العمل المتسلسل في مصنع عصريّ. من أجل إفراغ الحياة من زيفها وصبّها في زيف العالم.

لعلّ السالبيْن يتحوّلان موجبا.

هل الموت موجب أم سالب؟

لا أعرف لماذا أكتب هذه الفوضى عن المائت ولن نعبر الجسر معا، لماذا كلّ هذه الحركة المطبقة داخلي؟

كتابان عابران لغابات الروح، متقمّصان دورا تونسيا ملفوفا بالثورة منتوفا من شجرة الإنسان العملاقة.

يبحث الكاتب عن وجوهه كمن يبحث عن قطّ صغير في حقل قمح طويل، كأنّه يصنع مزمارا في كلّ حواراته الباطنية والصاخبة، قال الشاعر الفرنسي كريستيان بوبان في نص ترجمه الشاعر الجزائري أحمد عبد الكريم: "الشاعر يحدث بعض الثقوب في عظم اللغة ليصنع نايا "

هل فعل بنا لطفي الشابي كل هذا في عظم اللغة وفي عظامنا كقرّاء يرتعدون من صوت المزامير؟

ليس لطفي الشابي كاتبا رحيما، لم يكن يبكي حين أحدث كلّ ذلك الموت

هل بكى حين قتلهم؟

لماذا قتلتهم أيها الروائي؟

ألأنك مصرّ أن تعبر الجسر وحدك وأنت مائت؟؟؟

سونيا الفرجاني/ تونس

الخميس، 4 أغسطس 2022

أثر طريقة التدريس في ترسيخ الحجاج نمطا تعليميّا،،، مختار الماجري/ تونس

الأستاذ: مختار الماجري/ تونس

أثر طريقة التدريس في ترسيخ الحجاج نمطا تعليميّا

تقديم

    يقتضي عنوانُ المبحث التركيزَ على عنصرين أساسيين هما: الحجاج كنمط تعليميّ وأثرُ طريقةِ التدريس في ترسيخه. أمّا العنصرُ الأوّلُ فسنُمهّد له بالإشارة إلى تنوّع الأنماط التعليميّة ونشير إلى الحجاج من حيث هو نمط تعليميّ مهمّ له خصائصه ومؤشّراته، ومن ثَمَّ نمُرّ إلى التعريف به لغة واصطلاحا.

   أمّا العنصر الثاني فسنتناولُ فيه طريقتين لتدريس الحجاج؛ الأولى تقليدية والثانية فعّالة. ثُمّ نمرّ إلى المقترحات أو الحلول المؤدّية إلى ترسيخ قيم الحجاج في العملية التعليميّة.

 تمهيد

    تتعدّد الأنماط التعليميّة وتتنوّع، فمنها ما يتّصل بالبصريّ ومنها ما يتّصل بالسمعي أو بالمقروء والمكتوب أو بالحركي، وإضافة إلى ما سبق ذكره نجد النمط الحجاجي وهو إحدى الأنماط التي تتمّ كتابةُ النصوصِ بها، وتعتمد على الإقناع والتأكيد والتعبير عن الآراء، فهو يركّز شيئا معيّنا ثمّ يعرض القضايا المؤكّدة أو غير المؤكّدة لإثبات صحّة الكلام أو نفيه. ومن مؤشّرات النمط الحجاجي كثرة البراهين والحجج، واستخدام ضمير المتكلّم وضمير الغائب لدعم النص بالحجج والأدلة العلمية المنسوبة إلى علماء متخصّصين في موضوع النص، إضافة إلى الاعتماد على النفي والإثبات، ويُعتبر هذا المؤشّر هو ما يميز النمط الحجاجي عن الأنماط الأخرى، إذ يستعمل الكاتب النفي لتجاهل فكرة معينة وإبطالها، وعلى النقيض الآخر يستخدم الإثبات للإقناع برأيه. ومن المؤشرات الأخرى للنمط الحجاجي استخدامُ أدوات الربط المنطقية المتصلة بالأسباب مع حشد الحجج لإثبات صحتها، بالإضافة إلى استخدام الأمثلة الواقعية.

      وبما أنّ الحجّة أصبحت جوهر الحياة المعاصرة في كلّ المجالات كالسياسة والقضاء والدّعاية والإشهار وغيرها، فإنّها أضحت ضرورة حتميّة لا غنى عنها، وقد أثبت الحجاج فعاليته وقدرته الفائقة على فكّ الكثير من مغاليق الخطاب، وهذا ما يدفعنا للتساؤل عن ماهية الحجاج. فما المقصود بالحجاج؟

    قبل تناول التعريف لغة واصطلاحا لابدّ من الإشارة إلى أنّ الحجاج عرف محطّاتٍ تاريخيّةً متنوّعةً عبر أزمنةٍ متباعدةٍ، إذ لاحت بوادره في المقولات الغربية والعربية القديمة. أمّا الغربية فتجلّت عند السفسطائيين، والسفسطائية حركة فلسفية تميّز روادها بالكفاءة اللّغوية وبالخبرة الجدلية القولية التواصليّة، وربطوا الحجاجَ بالنفعِ. ومن ثمّ أفلاطون فأرسطو مرورا بالفكر الغربي الحديث ولاسيما مع بيرلمان وتيتيكا وديكرو وغيرهم. وأمّا المقولات العربية فبدت ملامحها مع الجاحظ في اتّجاه أدبي خطابي، ومع ابن وهب في اتجاه منطقي فقهي، ومع السكاكي في اتجاه بلاغي منطقي، وصولا إلى المقولات العربية المعاصرة مع الرّواد حمادي صمّود وطه عبد الرحمان وعبد الله صولة ومحمد العمري وغيرهم.

تعريف الحجاج

أ- لغة: تكاد تُجمع المعاجمُ العربيةُ في تعريفها للحجاج على ما جاء في لسان العرب لابن منظور: يُقال حاججته أُحاجُّه حِجاجا حتّى حجَجتَه؛ أي غلبته بالحجج الّتي أَدليْتُ بها... والحجّةُ البرهانُ، وقيل الحجّة ما دافع بها الخَصم، وفي الحديث "حجَّ آدمُ موسى أي غلبه بالحجّة"[1]. وعموما، يُقصدُ بالحجّة في اللّغة الدليل، يقول الجرجاني في كتاب "التعريفات" "الحجة ما دلّ على صحّة الدعوى".

ب- اصطلاحا: وأمّا اصطلاحا فقد جعل أرسطو موضوع الحجاج الخطابي "إقناع الجمهور بوسائل عقلية وعاطفية"[2]

في حين عرّف بيرلمان الحجاج بأنّه:" مجموع تقنيات الخطاب التي تؤدّي بالأذهان إلى التسليم بما يُعرضُ عليها من أطروحات أو تزيد في درجة ذلك التسليم". هذا التعريف أورده د. عبد الله صولة في كتابه" الحجاج أطره ومنطلقاته وتقنياته" وكذلك د. صلاح فضل في مقاله "بلاغة الخطاب وعلم النصّ" بمجلة عالم الفكر[3].

    ولكن إذا اعتمدنا آخر التعريفات من الوجهة التاريخية لنعدّه أشمل التعريفات وأصدقها لأنّه يتمثّل كلّ ما سبقه من أشكال التداول التاريخي، فهي إمكانية لا تستقيم لا منطقا ولا تاريخا، حيث أنّ ما نعدّه آخر التعريفات ليس هو كذلك بالنسبة إلى إمكانات المستقبل من حيث أنّه في الصيغة المستقبليّة سيصبح مجرّد تعريف تاريخي، لذلك ارتأينا أن نلجأ إلى التعريف الّذي انبثق عن أكبر عدد ممكن من التعريفات وصيغ في تعريف موحّد شامل استفاد من المشترك في كلّ التعريفات السابقة.

      وبناء على ذلك أجمعت معظم المعاجم على أنّ الحجاج مصطلح يُقصد به المفاوضة على سبيل المنازعة والمغالبة لإلزام الخَصم، وهو تقديم لحجج وأدلّة مؤدّية إلى نتيجة معيّنة. فالحجاج فاعليّة حوارية تتأسّس على الاختلاف، انطلاقا من نسبية الحقيقة، وهذه النسبيّة هي المناخ الأمثل الذي ينمو فيه الحجاج. ونستخلص من كلّ هذا أنّ الحجاج هو نمط خطاب غايته جعل المخاطب يشاطر المحاجّ (المخاطَب) فيما ذهب إليه أو دفعه إلى تعديل موقفه أو تغيير رأيه ودحضه وبالتالي يكون الإقناع والإفحام. فما الطريقة المثلى لتدريسه وترسيخه؟

 أثر طريقة التدريس في ترسيخ الحجاج

يمكن أن نميّز بشكل عام بين طريقتين أساسيتين في التدريس:

1- الطريقة التقليدية :

وهي التي تُعطي الأولوية لسلطة المدرّس، وفي هذه الحالة يُصبح المدرّس ممثِّلا لحجة السلطة التي تجعل المتعلمين يتقبلون رأي المدرّس دون مناقشة أو مراجعة، وفي هذه الحالة يكون المدرّس ضامنا لاستماع الجمهور(المتعلّمين)، باعتباره الناطق الرسمي باسم الجماعة الّتي ينتمون إليها، بحيث يكون التلاميذ مطالبين بالثقة العمياء في ما يقوله ويصدر عنه. يقول بيرلمان "إنّ المربّي ضامن لسماع الجمهور له ولثقته، دون حاجة إلى مجهود خاص باعتباره ممثلا للمجتمع الذي ينتمي إليه هذا الجمهور، إنّه يتلفّظ بما ينبغي اعتقاده، وينطق بما ينبغي على المرء فعله، كيْ يُقبَلَ كُفْءًا في جماعة، يتطلّع السامع إلى الانتماء إليها. إنّه غير مطالب دوما بإثبات ما يدّعيه: 

 إنّ كلامه موثوق به، فليس عليه أن يتكيّف مع جمهوره بل جمهوره هو الذي يتكيّف معه"[4].

   ولا شكّ أنّ هذه السلطة الحجاجية لا تساعد المتعلمين على تعلّم تقنيات الحجاج، إذ تعلّمهم الامتثال لسلطة أعلى، وهو ما يُضعف تَمثُّلَهم لثقافة الاختلاف والحوار ومناقشة ما يُعرَض عليهم من أطروحات، كما يُضعف لديهم كفايات التفكير النقدي وحرّية الرأي. وفضلا عن ذلك فمهمّة المدرّس تكون هي تلقين المعارف أكثر من عرضها للنقد، ومعارضتِها بأفكار مضادّة، وفي هذا الإطار يقول بيرلمان: "ولن تشتغلَ روحُ النقد لدى التلميذ بشكل جيّد إلاّ بعد أن يمرّ من مرحلة امتلاك المعارف الأوّلية ... ولن يستطيع النقد أن يُثبت أهميّته إلاّ باللجوء إلى نوع من التعارض"[5]. 

2- طريقة التدريس الفعّال :

في هذه الحالة يطفو الحجاج على السطح باعتباره وسيلة أساسية لنجاح العملية التعليمية، يقول بيرلمان "فلكيْ يتعلّم المرءُ ولكي يعرف، ينبغي أن يُدرك وأن يستدلَّ، وكلّ إنسان مزوَّد منذ ولادته بكلّ ما ينبغي، لكي يُجيد الإدراك ويجيد الاستدلال... ووفق هذا التصوّر ليس المربي المثالي من يُكلَّف بنقل التقليد وتكوين عقل تلامذته، بل إنّ دوره هو استعمال قدرات الطفل وحفظها في منآى من الآراء الخادعة"[6]، ومن هنا تُكرِّسُ الطريقةُ الفعّالةُ حرّيةَ الطفل في الحجاج وإبداء الرأي والإيمان بوجود آراء مختلفة، ويترسّخُ لديه أنّ حرّية الرأي حقّ لكلّ فرد.

إنّ طريقة التدريس يجب أن تستند إلى أصول الحوار الذي يقوم على مبدإ التعاون والتفاهم واحترام الآخر، وقد اقترح بيرلمان حلاّ وسطا لترسيخ قيم الحجاج في التربية يقوم على المزاوجة بين حجّة السلطة التي يمارسها المدرس باعتبارها تزوّد المتعلّم بالمعارف والتقنيات الضرورية للحجاج، وبين التكوين الّذي ينبني على إعمال العقل وجعل التلميذ فاعلا في العملية التعليميّة-الحجاجية.

   ولترسيخ الحجاج هناك مهارات متنوّعة كالتعبير والدرس اللّغوي والبلاغي تحديدا لألوان الزخرف والزينة والمحسّنات البلاغية التي ترد في الخطاب، وهو ما أكّده بيرلمان في نظريته وجعل هذه المحسنات من المقوّمات الحجاجية الإقناعية.

֎ مهارات التعبير:

يشكّل درس التعبير والإنشاء مدخلا أساسيّا لترسيخ أخلاقيات الحوار والقدرة على الحجاج، باعتبار ذلك مدخلا أساسيّا يوجّه المتعلّم إلى الدفاع عن وجهة نظره بأساليب حضارية تنبذ العنف ورفض الآخر. فكلّما كان التلميذ أو الطالب قادرا على الحجاج اكتسب سلوكيات حضارية تجعله لا يفرض رأيه بالقوّة، بل يحاجج لإثباته، وقد يتخلّى عنه لصالح رأي آخر إذا أقنعه الآخر بحجّته. وفي هذا الصدد تظهر مجموعة من المهارات التي نسعى إلى ترسيخها لدى المتعلّمين من خلال درس التعبير والإنشاء لتتحوّل من ممارسة تعليمية إلى ممارسة واقعيّة، ونعني المهارات التالية: مهارة إنتاج نص حجاجي، مهارة الدفاع عن وجهة نظر، مهارة المقارنة والاستنتاج، مهارة إلقاء عرض شفهي...

   في كلّ هذه المهارات لا بدّ من الانطلاق من وضعيات تعليمية شبيهة بالحياة، ففي الدفاع عن الرأي ينطلق الأستاذ من قضية إشكالية معيّنة، ويطلب من التلاميذ التحاور بشأنها على أن يجنّد كلّ تلميذ مهاراته الحجاجية للإقناع بوجهة نظره دون أن نفرض عليه رأيا معيّنا. ونَخلُصُ من كلّ ذلك إلى تبنّي وجهة نظر معيّنة أو أكثر حسب وجاهتها الحجاجيّة.

  بهذا تغدو الممارسة الحجاجية سلوكا مترسَّخا لدى المتعلّم ينقله من المدرسة إلى خارجها مادامت المدرسة مجتمعا مصغّرا كما يؤكّد الكثير من المربّين، ما يُعتبر مدخلا أساسيا لتكوين مُواطِن متشبّع بثقافة الحوار والاعتدال وتقبّل الرأي الآخر.

֎ مهارات اللغة:  

         يرى الألسني الفرنسي" أوزوالد ديكرو" أنّ اللّغة تحمل في جوهرها بعدا حجاجيّا، وليست الوظيفة الإبلاغية هي الأساس والوحيدة في اللّغة، بل إنّ الوظيفة الحجاجية هي أهمّ وظائفها. ففي اللّغة نجد العوامل والروابط هي ما يتصدّر المنطلقات أو المبادئ وتزيد في قوّة توجّهها إلى الحجّة، إذ تمثّل الروابط الحجاجية مجموعة من المورفيمات (والمورفيم هي أصغر وحدات المعنى في اللغة) تصل بين ملفوظين أو قولين أو أكثر في إطار استراتيجية واحدة. فهي نوع من العناصر النحوية والظروف (الواو، الفاء، لكن، حتّى، إذن، ثمّ، بل، لاسيما، بما أنّ، إذ...إلخ)

   ويمكن تقسيم هذه الروابط إلى:

- روابط مدرجة للحُجج: حتّى، بل، لكن، مع ذلك

... روابط مدرجة للنتائج : إذن، لهذا، وبالتالي

- روابط مدرجة للتعارض الحجاجي: بل، لكنّ، مع ذلك…

-  روابط مدرجة للتساند الحجاجي: حتّى، لاسيما...

فقولنا: "زيد مجتهد إذن سينجح"؛ تكوّن هذا القول من حجّة ونتيجة قام الرابط الحجاجي بالربط بينهما.

֎ مهارات البلاغة:

 لئن كان الحجاجُ مبثوثا في مختلف الدروس فإنّه يتجلّى أكثر في الدرس البلاغي لما تلعبه المحسّنات البديعية التي ترد في الخطاب من دور حجاجي لا يمكن إغفاله بأي حال من الأحوال، وهو ما أكّده بيرلمان في نظريته وجعل هذه المحسّنات من المقوّمات الإقناعية. فمعظم الأساليب البلاغية تمتلك خاصّية التحوّل لآداء أغراض إقناعية تواصلية منها على سبيل الذكر لا الحصر الاستعارة والتمثيل:

- الاستعارة:

والتي تُعدّ من الآليات الحجاجية المهمّة التي يمارس المتكلّم من خلالها التأثير في المتلقي، ونبّه الجرجاني إلى وظيفتها الإقناعية حين قال: "فقد حصل في هذا الباب أنّ الاسم المستعار كلّما كان قِدمُه أُثبت في مكانه، وكان موضعه من الكلام أضنّ به، وأشدّ محاماة عليه، وأمنع لك من أن تتركه وترجع إلى الظاهر وتصرّح بالتشبيه، فأمر التخييل فيه أقوى، ودعوى المتكلّم له أظهرُ وأتمُّ "[7] .  ومثال ذلك في قول عروة بن الورد:

ثعالبُ في الحرب العوان وإنْ تنجُ          وتنفرجُ الجُلّى، فإنّهُمُ الأسْـــــــــــــــــــــــــــــدُ

فاستعارات عروة استعارات حجاجية، لأنّه يصف قومه في حالتي السلم والحرب، ولا يمكن أن يصفهم إلاّ بالوصف الذي يجعلهم في مرتبة أعلى من غيرهم، ولذلك نظر في السمات التي يمكن أن تحقّق لهم ذلك، فوجد أنّها الدهاء والحيلة في الحرب مع الشجاعة في السلم. ومن ثمّ اختار مستعارا منه وأورده بلفظه في خطابه.

- التمثيل:

وهو من الوسائل الحجاجية المهمّة، يقول محمد العمري في هذا السياق: "يقوم المثل في اللغة مقام الاستقراء في المنطق، والمثل هو استقراء بلاغي، والمثل حجّة تقوم على المشابهة بين حالتين "[8].  أمّا عبد القاهر الجرجاني فيقول: "واعلم أنّ ما اتّفق العلماء عليه أنّ التمثيل إذا جاء في أعقاب المعاني، أو برزت هي في معرَضه، ونُقلت عن صورها الأصليّة إلى صورته، كساها أبّهةً، وكسبها منقبةً، ورفع من أقدارها وشبّ من نارها وضاعف قواها في تحريك النفوس لها، و دعا القلوب إليها، واستثار لها من أقاصي الأفئدة صبابةً و كلفًا... فإن كان مدحا كان أبهى و أفخم، وأنبل في النفوس و أعظم... و إن كان ذمّا مسّهُ أوجعَ وميْسمُه ألذعَ... وإن كان اعتذارا كان إلى القبول أقرب و للقلوب أخلب... وإن كان وعظا كان أشفى للصدر وأدعى للفكر..."[9].

الخاتمة:

  ختاما نؤكد أنّ الحجاج يبقى عنصرا مهمّا في التربية، وفضلا عن ترسيخه أخلاقيات الحوار وتقنياته، يسعى إلى ترسيخ قيم التعاون والتفاهم واحترام الاختلاف. على أنّ الحجاج يجب ألاّ يبقى مادّة مستقلة تُدرّس ضمن منهاج اللغة، بل عليه أن يشمل مختلف المواد العلمية البحتة والعلوم الإنسانية. والأهم من هذا وذاك يجب أن يصبح الحجاج ممارسة بيداغوجية تتجلّى في طريقة التدريس التي يجب أن تتخلّص من سلطة المدرّس لتفسح المجال لتدخّلات التلاميذ الذين تتكوّن لديهم الاستقلالية، ويتعلّمون طرائق الإقناع والنقد الذاتي وحرّية الرأي واحترام الآخرين المختلفين، وكلّها قيم حضارية عليا تتأسس عليها المجتمعات الحديثة.

بحث أنجزه الأستاذ: مختار الماجري / تونس

الهوامش:


[1] ابن منظور، لسان العرب، تحقيق عبد السلام محمد هارون، مادّة حجج، دار صادر بيروت، لبنان، المجلد2 ط،1-1997 ص 570.

[2] أرسطوطاليس، الخطابة، ترجمة عبد الرحمان بدوي، ط : 1986 ص29-30.

[3] انظر د. عبد الله صولة في كتابه "الحجاج أطره ومنطلقاته وتقنياته" ص229، و د. صلاح فضل في مقاله " بلاغة الخطاب وعلم النص" بمجلة عالم المعرفة الكويت 1992 ص 76

[4] شاييم بيرلمان، [وهو أكاديمي بلجيكي (19121984) ، أستاذ بجامعة بروكسل، مؤسس ما يعرف بـ البلاغة الجديدة،] "التربية والخطابية" ص 154.

[5] المرجع السابق ص 155.

[6] المرجع السابق ص 157.

[7] عبد القاهر الجرجاني، "أسرار البلاغة"، تحقيق محمد رشيد رضا، ص 276.

[8] محمد العمري، " في بلاغة الخطاب الإقناعي" ص82.

[9] عبد القاهر الجرجاني، فصل في مواقع التمثيل وتأثيره، "أسرار البلاغة" ص85

مرحبا بكم في مجالس الرّكن النيّر للإبداع

23-4-2020

Flag Counter

أصدقاء مجالس الرّكن النيّر

أبو أمين البجاوي إسماعيل هموني البشير المشرقي البو محفوظ العامريّة سعد الله الفاضل الكثيري أماني المبارك أميرة بن مبارك إيمان بن ابراهيم إيناس أصفري بدوي الجبل بسمة الصحراوي بشر شبيب جمال الدين بن خليفة جميلة القلعي جميلة بلطي عطوي حليمة بوعلاق خالد شوملي خير الدين الشابّي رائد محمد الحواري سعيدة باش طبجي سلوى البحري سليمان نحيلي سنيا مدوري سوف عبيد صابر الهزايمه صالح مورو صباح قدرية (صباح نور الصباح) صبيحة الوشتاتي صفيّة قم بن عبد الجليل عبد الأمير العبادي عبد الحكيم ربيعي عبد العزيز جويدة عبد الفتّاح الغربي عبد الله بن عيسى الموري عبد المجيد يوسف عدنان الغريري عزّ الدين الشّابّي عنان محروس غادة إبراهيم الحسيني فاطمة محمود سعدالله فردوس المذبوح فيروز يوسف فيصل الكردي كفاية عوجان لطفي السنوسي لطفي الشابّي لمياء العلوي لودي شمس الدّين ليلى الرحموني محمد القصاص محمّد الهادي الجزيري محمّد سلام جميعان محمّد صوالحة محمّد مامي محمّد مبروك برهومي محمد مبسوط مختار الماجري مراد الشابّي منى الفرجاني ميساء عوامرية ناصر رمضان ندى حطيط هندة السميراني وهيبة قويّة يوسف حسين