الاثنين، 9 يناير 2023

شرفة الغياب،،، وهيبة قويّة/ تونس

وهيبة قويّة/ تونس
 

شرفة الغياب

التقينا عند مفارق الطّرقات وفي قلب كلّ منّا حلم قد صحا غناءً في حواصل الطّير... لم يكن همّي حين التقيته إلاّ مواصلة الطّريق إلى نهايتها. فتمنّيت لو أنّني أريح يدي في يده وأن أدخل معه إلى شرفة القلب. (حينها كنت قد سكنتها وأنا لا أعلم). ولم يفكّر هو أن يطلب منّي الدّخول إليها. (حينها كان منشغلا بالأقمار الّتي تخفيها سحائب الحزن المستوطن في عينيّ، وتتوقّد سراجا وهّاجا في شرفة أحلامه).

وفي غفلة من الزّمن الهارب. استفقت عند منتصف الحلم لأجد الغياب، والطّرقات الفارغة قد حفرت أخدودا في روحي. مع ذلك استطعت أن أواصل الحلم.

كان حين يدخل حلمي يرسم على راحتيّ الهمسات ويلوّن أسراب الطّير المحلّقة في سماء روحي ويطلق الفراشات في مداها.

وكنت كلّما غاب أدخل شرفات الذّاكرة وأطلق من راحتيّ الطّير والألوان في الفضاء ثمّ أشعل ما تبقّى فيهما من ذاكرة حطبا يقيني برد الغياب. وأشرع شرفة الحلم على مرافئ الانتظار حقولا من الشّوق أقتات من خضرتها أمنيات تكسر صمت الفضاء بصدى الأغنيات.

كان طيفه يطلّ عليّ من حين إلى حين، فإن اختفى كنت أشعل رائحة القهوة في الشّرفة وأكتب إلى الغائب، أغنيات أودعها حواصل الطّير في فضاء المرايا...

تعوّد الطيف دخول الشّرفة وسماع حكاياتي وصار وفيّا لمواعيدي. متلهّفا على قهوتي. فصرت أعدّ له فنجانه ثمّ أقرأ على خطوطه أسفار العودة.

أدمن الطّيف قهوتي وأدمنت سكناه في روحي فرسمت حقولا من الياسمين أعطّر بها خطوات مَن أدمن الغياب وأمُدّ ظلالها وارفة في شرفتي، شرفة الانتظار، أقي طيفه هجير المسافات.

- طيفي. لن نحتاج إلى رسائل... سنطلق الطّير جميعا إلى سقف الغمام ليمطر الغائب أغنيات. وسننتظره معا...

يبتسم الطّيف كلّما حدّثته عنه. ويطوف بأفكاري لتلد شرفتي مزيدا من الحكايات. كنت أشعر بوجوده وبأنّه يمدّ في روحي شعاع الأمل وأنّ في انتظاري حياة.

أحيانا تعتريني الحمّى وأرى غائبي يوقد قصائده حطبا للشّوق، وأراه يقطف الزّمن الهارب ورودا تُعتّق نبيذ المسافة إليّ... يدخل شرفة الأحلام مع كلّ حمّى ليهديني قصيدة ووردة لا تذبل.

- طيفي، سننتظره معا. فلا تكتب اسميْنا في سجلّ الغائبين ولا تملّ ذاكرة أدمنت الانتظار...

وهيبة قويّة/ تونس

هناك تعليقان (2):

  1. هكذا تولد الكتابة من الوجع المتأتي من الوعي الدرامي، وتتأسس كصدى لتغلغله من أعمق أعماق الذات المبدعة."شرفة الغياب" نصّ قُدّ من فيض عاطفي مضمّخ برائحة الحب النديّة، نص ينشد شرفات أساسها الحلم المطّرد اللامتناهي لإدراك الحقيقة، هو نص متألق تكاد شاعريته تنطق بين السطور ليستحيل موسيقى عزفت أنغامها أنامل كاتبة مقتدرة.

    ردحذف
    الردود
    1. ما أسعدني بهذه القراءة أستاذ مختار. بمثل هذا التفاعل تتجدّد روح الكتابة. دمت قارئا عميقا.
      وهيبة

      حذف

يتم نشر التعليق بعد المراجعة

مرحبا بكم في مجالس الرّكن النيّر للإبداع

23-4-2020

Flag Counter

أصدقاء مجالس الرّكن النيّر

أبو أمين البجاوي إسماعيل هموني البشير المشرقي البو محفوظ العامريّة سعد الله الفاضل الكثيري أماني المبارك أميرة بن مبارك إيمان بن ابراهيم إيناس أصفري بدوي الجبل بسمة الصحراوي بشر شبيب جمال الدين بن خليفة جميلة القلعي جميلة بلطي عطوي حليمة بوعلاق خالد شوملي خير الدين الشابّي رائد محمد الحواري سعيدة باش طبجي سلوى البحري سليمان نحيلي سنيا مدوري سوف عبيد صابر الهزايمه صالح مورو صباح قدرية (صباح نور الصباح) صبيحة الوشتاتي صفيّة قم بن عبد الجليل عبد الأمير العبادي عبد الحكيم ربيعي عبد العزيز جويدة عبد الفتّاح الغربي عبد الله بن عيسى الموري عبد المجيد يوسف عدنان الغريري عزّ الدين الشّابّي عنان محروس غادة إبراهيم الحسيني فاطمة محمود سعدالله فردوس المذبوح فيروز يوسف فيصل الكردي كفاية عوجان لطفي السنوسي لطفي الشابّي لمياء العلوي لودي شمس الدّين ليلى الرحموني محمد القصاص محمّد الهادي الجزيري محمّد سلام جميعان محمّد صوالحة محمّد مامي محمّد مبروك برهومي محمد مبسوط مختار الماجري مراد الشابّي منى الفرجاني ميساء عوامرية ناصر رمضان ندى حطيط هندة السميراني وهيبة قويّة يوسف حسين