وهيبة قويّة/ تونس |
التقينا عند
مفارق الطّرقات وفي قلب كلّ منّا حلم قد صحا غناءً في حواصل الطّير... لم يكن همّي
حين التقيته إلاّ مواصلة الطّريق إلى نهايتها. فتمنّيت لو أنّني أريح يدي في يده وأن
أدخل معه إلى شرفة القلب. (حينها كنت قد سكنتها وأنا لا أعلم). ولم يفكّر هو أن
يطلب منّي الدّخول إليها. (حينها كان منشغلا بالأقمار الّتي تخفيها سحائب الحزن
المستوطن في عينيّ، وتتوقّد سراجا وهّاجا في شرفة أحلامه).
وفي غفلة من
الزّمن الهارب. استفقت عند منتصف الحلم لأجد الغياب، والطّرقات الفارغة قد حفرت
أخدودا في روحي. مع ذلك استطعت أن أواصل الحلم.
كان حين يدخل حلمي
يرسم على راحتيّ الهمسات ويلوّن أسراب الطّير المحلّقة في سماء روحي ويطلق
الفراشات في مداها.
وكنت كلّما غاب أدخل
شرفات الذّاكرة وأطلق من راحتيّ الطّير والألوان في الفضاء ثمّ أشعل ما تبقّى
فيهما من ذاكرة حطبا يقيني برد الغياب. وأشرع شرفة الحلم على مرافئ الانتظار حقولا
من الشّوق أقتات من خضرتها أمنيات تكسر صمت الفضاء بصدى الأغنيات.
كان طيفه يطلّ
عليّ من حين إلى حين، فإن اختفى كنت أشعل رائحة القهوة في الشّرفة وأكتب إلى
الغائب، أغنيات أودعها حواصل الطّير في فضاء المرايا...
تعوّد الطيف دخول
الشّرفة وسماع حكاياتي وصار وفيّا لمواعيدي. متلهّفا على قهوتي. فصرت أعدّ له
فنجانه ثمّ أقرأ على خطوطه أسفار العودة.
أدمن الطّيف قهوتي
وأدمنت سكناه في روحي فرسمت حقولا من الياسمين أعطّر بها خطوات مَن أدمن الغياب وأمُدّ
ظلالها وارفة في شرفتي، شرفة الانتظار، أقي طيفه هجير المسافات.
- طيفي. لن نحتاج
إلى رسائل... سنطلق الطّير جميعا إلى سقف الغمام ليمطر الغائب أغنيات. وسننتظره
معا...
يبتسم الطّيف
كلّما حدّثته عنه. ويطوف بأفكاري لتلد شرفتي مزيدا من الحكايات. كنت أشعر بوجوده
وبأنّه يمدّ في روحي شعاع الأمل وأنّ في انتظاري حياة.
أحيانا تعتريني
الحمّى وأرى غائبي يوقد قصائده حطبا للشّوق، وأراه يقطف الزّمن الهارب ورودا
تُعتّق نبيذ المسافة إليّ... يدخل شرفة الأحلام مع كلّ حمّى ليهديني قصيدة ووردة
لا تذبل.
- طيفي، سننتظره
معا. فلا تكتب اسميْنا في سجلّ الغائبين ولا تملّ ذاكرة أدمنت الانتظار...
وهيبة
قويّة/ تونس
هكذا تولد الكتابة من الوجع المتأتي من الوعي الدرامي، وتتأسس كصدى لتغلغله من أعمق أعماق الذات المبدعة."شرفة الغياب" نصّ قُدّ من فيض عاطفي مضمّخ برائحة الحب النديّة، نص ينشد شرفات أساسها الحلم المطّرد اللامتناهي لإدراك الحقيقة، هو نص متألق تكاد شاعريته تنطق بين السطور ليستحيل موسيقى عزفت أنغامها أنامل كاتبة مقتدرة.
ردحذفما أسعدني بهذه القراءة أستاذ مختار. بمثل هذا التفاعل تتجدّد روح الكتابة. دمت قارئا عميقا.
حذفوهيبة