السبت، 6 أغسطس 2022

أخرج الآن من موتي... (4)،،، إسماعيل هموني/ المغرب

الشاعر: إسماعيل هموني/ المغرب
 

أخرج الآن من موتي... (4)

متورطا في العذريّة؛

نصبت شباكي في البحار العالية؛

سحبت الموتى الطاعنين في الحياة؛ لأستريح عند أول الصباح.

من يناجي الموتى يجد كناش الحياة مشطورا على الأرض.

علي أن أطير في الأدغال؛ أفتح قشرة السماء لجناحي كأني أسكن جروح الأرض.

من يملك صهوة الموت يكركب خدوش الحياة من آدم حتى حواء.

زاهدا؛

في نداء العطش؛ أغرق بين ثنايا العابرين.

أراني أحيا في موتي

لا أتقاضى أجرا عند فصل الخطاب.

هنا يستوي من يدب؛ ومن يطير؛

لا أحد ينكر التستّر على حاله.

من بدأ حيّا؛ فقد تستّر على حكمته.

حين تبسط الأرض شكواه للحياة؛ تينع النجوم في عيون موحشة.

لا أعرف من يجمع نصيبه من السفوح؛

ثم يقفز كالقرود إلى أعالي الشجر؛

ولم ينتبه إلى العميان؛ وهم يحملونه إلى مثواه الأخير.

فقط؛

العذريّة نكاية في الموت مرتين...

إسماعيل هموني/ المغرب

 

الخميس، 4 أغسطس 2022

أثر طريقة التدريس في ترسيخ الحجاج نمطا تعليميّا،،، مختار الماجري/ تونس

الأستاذ: مختار الماجري/ تونس

أثر طريقة التدريس في ترسيخ الحجاج نمطا تعليميّا

تقديم

    يقتضي عنوانُ المبحث التركيزَ على عنصرين أساسيين هما: الحجاج كنمط تعليميّ وأثرُ طريقةِ التدريس في ترسيخه. أمّا العنصرُ الأوّلُ فسنُمهّد له بالإشارة إلى تنوّع الأنماط التعليميّة ونشير إلى الحجاج من حيث هو نمط تعليميّ مهمّ له خصائصه ومؤشّراته، ومن ثَمَّ نمُرّ إلى التعريف به لغة واصطلاحا.

   أمّا العنصر الثاني فسنتناولُ فيه طريقتين لتدريس الحجاج؛ الأولى تقليدية والثانية فعّالة. ثُمّ نمرّ إلى المقترحات أو الحلول المؤدّية إلى ترسيخ قيم الحجاج في العملية التعليميّة.

 تمهيد

    تتعدّد الأنماط التعليميّة وتتنوّع، فمنها ما يتّصل بالبصريّ ومنها ما يتّصل بالسمعي أو بالمقروء والمكتوب أو بالحركي، وإضافة إلى ما سبق ذكره نجد النمط الحجاجي وهو إحدى الأنماط التي تتمّ كتابةُ النصوصِ بها، وتعتمد على الإقناع والتأكيد والتعبير عن الآراء، فهو يركّز شيئا معيّنا ثمّ يعرض القضايا المؤكّدة أو غير المؤكّدة لإثبات صحّة الكلام أو نفيه. ومن مؤشّرات النمط الحجاجي كثرة البراهين والحجج، واستخدام ضمير المتكلّم وضمير الغائب لدعم النص بالحجج والأدلة العلمية المنسوبة إلى علماء متخصّصين في موضوع النص، إضافة إلى الاعتماد على النفي والإثبات، ويُعتبر هذا المؤشّر هو ما يميز النمط الحجاجي عن الأنماط الأخرى، إذ يستعمل الكاتب النفي لتجاهل فكرة معينة وإبطالها، وعلى النقيض الآخر يستخدم الإثبات للإقناع برأيه. ومن المؤشرات الأخرى للنمط الحجاجي استخدامُ أدوات الربط المنطقية المتصلة بالأسباب مع حشد الحجج لإثبات صحتها، بالإضافة إلى استخدام الأمثلة الواقعية.

      وبما أنّ الحجّة أصبحت جوهر الحياة المعاصرة في كلّ المجالات كالسياسة والقضاء والدّعاية والإشهار وغيرها، فإنّها أضحت ضرورة حتميّة لا غنى عنها، وقد أثبت الحجاج فعاليته وقدرته الفائقة على فكّ الكثير من مغاليق الخطاب، وهذا ما يدفعنا للتساؤل عن ماهية الحجاج. فما المقصود بالحجاج؟

    قبل تناول التعريف لغة واصطلاحا لابدّ من الإشارة إلى أنّ الحجاج عرف محطّاتٍ تاريخيّةً متنوّعةً عبر أزمنةٍ متباعدةٍ، إذ لاحت بوادره في المقولات الغربية والعربية القديمة. أمّا الغربية فتجلّت عند السفسطائيين، والسفسطائية حركة فلسفية تميّز روادها بالكفاءة اللّغوية وبالخبرة الجدلية القولية التواصليّة، وربطوا الحجاجَ بالنفعِ. ومن ثمّ أفلاطون فأرسطو مرورا بالفكر الغربي الحديث ولاسيما مع بيرلمان وتيتيكا وديكرو وغيرهم. وأمّا المقولات العربية فبدت ملامحها مع الجاحظ في اتّجاه أدبي خطابي، ومع ابن وهب في اتجاه منطقي فقهي، ومع السكاكي في اتجاه بلاغي منطقي، وصولا إلى المقولات العربية المعاصرة مع الرّواد حمادي صمّود وطه عبد الرحمان وعبد الله صولة ومحمد العمري وغيرهم.

تعريف الحجاج

أ- لغة: تكاد تُجمع المعاجمُ العربيةُ في تعريفها للحجاج على ما جاء في لسان العرب لابن منظور: يُقال حاججته أُحاجُّه حِجاجا حتّى حجَجتَه؛ أي غلبته بالحجج الّتي أَدليْتُ بها... والحجّةُ البرهانُ، وقيل الحجّة ما دافع بها الخَصم، وفي الحديث "حجَّ آدمُ موسى أي غلبه بالحجّة"[1]. وعموما، يُقصدُ بالحجّة في اللّغة الدليل، يقول الجرجاني في كتاب "التعريفات" "الحجة ما دلّ على صحّة الدعوى".

ب- اصطلاحا: وأمّا اصطلاحا فقد جعل أرسطو موضوع الحجاج الخطابي "إقناع الجمهور بوسائل عقلية وعاطفية"[2]

في حين عرّف بيرلمان الحجاج بأنّه:" مجموع تقنيات الخطاب التي تؤدّي بالأذهان إلى التسليم بما يُعرضُ عليها من أطروحات أو تزيد في درجة ذلك التسليم". هذا التعريف أورده د. عبد الله صولة في كتابه" الحجاج أطره ومنطلقاته وتقنياته" وكذلك د. صلاح فضل في مقاله "بلاغة الخطاب وعلم النصّ" بمجلة عالم الفكر[3].

    ولكن إذا اعتمدنا آخر التعريفات من الوجهة التاريخية لنعدّه أشمل التعريفات وأصدقها لأنّه يتمثّل كلّ ما سبقه من أشكال التداول التاريخي، فهي إمكانية لا تستقيم لا منطقا ولا تاريخا، حيث أنّ ما نعدّه آخر التعريفات ليس هو كذلك بالنسبة إلى إمكانات المستقبل من حيث أنّه في الصيغة المستقبليّة سيصبح مجرّد تعريف تاريخي، لذلك ارتأينا أن نلجأ إلى التعريف الّذي انبثق عن أكبر عدد ممكن من التعريفات وصيغ في تعريف موحّد شامل استفاد من المشترك في كلّ التعريفات السابقة.

      وبناء على ذلك أجمعت معظم المعاجم على أنّ الحجاج مصطلح يُقصد به المفاوضة على سبيل المنازعة والمغالبة لإلزام الخَصم، وهو تقديم لحجج وأدلّة مؤدّية إلى نتيجة معيّنة. فالحجاج فاعليّة حوارية تتأسّس على الاختلاف، انطلاقا من نسبية الحقيقة، وهذه النسبيّة هي المناخ الأمثل الذي ينمو فيه الحجاج. ونستخلص من كلّ هذا أنّ الحجاج هو نمط خطاب غايته جعل المخاطب يشاطر المحاجّ (المخاطَب) فيما ذهب إليه أو دفعه إلى تعديل موقفه أو تغيير رأيه ودحضه وبالتالي يكون الإقناع والإفحام. فما الطريقة المثلى لتدريسه وترسيخه؟

 أثر طريقة التدريس في ترسيخ الحجاج

يمكن أن نميّز بشكل عام بين طريقتين أساسيتين في التدريس:

1- الطريقة التقليدية :

وهي التي تُعطي الأولوية لسلطة المدرّس، وفي هذه الحالة يُصبح المدرّس ممثِّلا لحجة السلطة التي تجعل المتعلمين يتقبلون رأي المدرّس دون مناقشة أو مراجعة، وفي هذه الحالة يكون المدرّس ضامنا لاستماع الجمهور(المتعلّمين)، باعتباره الناطق الرسمي باسم الجماعة الّتي ينتمون إليها، بحيث يكون التلاميذ مطالبين بالثقة العمياء في ما يقوله ويصدر عنه. يقول بيرلمان "إنّ المربّي ضامن لسماع الجمهور له ولثقته، دون حاجة إلى مجهود خاص باعتباره ممثلا للمجتمع الذي ينتمي إليه هذا الجمهور، إنّه يتلفّظ بما ينبغي اعتقاده، وينطق بما ينبغي على المرء فعله، كيْ يُقبَلَ كُفْءًا في جماعة، يتطلّع السامع إلى الانتماء إليها. إنّه غير مطالب دوما بإثبات ما يدّعيه: 

 إنّ كلامه موثوق به، فليس عليه أن يتكيّف مع جمهوره بل جمهوره هو الذي يتكيّف معه"[4].

   ولا شكّ أنّ هذه السلطة الحجاجية لا تساعد المتعلمين على تعلّم تقنيات الحجاج، إذ تعلّمهم الامتثال لسلطة أعلى، وهو ما يُضعف تَمثُّلَهم لثقافة الاختلاف والحوار ومناقشة ما يُعرَض عليهم من أطروحات، كما يُضعف لديهم كفايات التفكير النقدي وحرّية الرأي. وفضلا عن ذلك فمهمّة المدرّس تكون هي تلقين المعارف أكثر من عرضها للنقد، ومعارضتِها بأفكار مضادّة، وفي هذا الإطار يقول بيرلمان: "ولن تشتغلَ روحُ النقد لدى التلميذ بشكل جيّد إلاّ بعد أن يمرّ من مرحلة امتلاك المعارف الأوّلية ... ولن يستطيع النقد أن يُثبت أهميّته إلاّ باللجوء إلى نوع من التعارض"[5]. 

2- طريقة التدريس الفعّال :

في هذه الحالة يطفو الحجاج على السطح باعتباره وسيلة أساسية لنجاح العملية التعليمية، يقول بيرلمان "فلكيْ يتعلّم المرءُ ولكي يعرف، ينبغي أن يُدرك وأن يستدلَّ، وكلّ إنسان مزوَّد منذ ولادته بكلّ ما ينبغي، لكي يُجيد الإدراك ويجيد الاستدلال... ووفق هذا التصوّر ليس المربي المثالي من يُكلَّف بنقل التقليد وتكوين عقل تلامذته، بل إنّ دوره هو استعمال قدرات الطفل وحفظها في منآى من الآراء الخادعة"[6]، ومن هنا تُكرِّسُ الطريقةُ الفعّالةُ حرّيةَ الطفل في الحجاج وإبداء الرأي والإيمان بوجود آراء مختلفة، ويترسّخُ لديه أنّ حرّية الرأي حقّ لكلّ فرد.

إنّ طريقة التدريس يجب أن تستند إلى أصول الحوار الذي يقوم على مبدإ التعاون والتفاهم واحترام الآخر، وقد اقترح بيرلمان حلاّ وسطا لترسيخ قيم الحجاج في التربية يقوم على المزاوجة بين حجّة السلطة التي يمارسها المدرس باعتبارها تزوّد المتعلّم بالمعارف والتقنيات الضرورية للحجاج، وبين التكوين الّذي ينبني على إعمال العقل وجعل التلميذ فاعلا في العملية التعليميّة-الحجاجية.

   ولترسيخ الحجاج هناك مهارات متنوّعة كالتعبير والدرس اللّغوي والبلاغي تحديدا لألوان الزخرف والزينة والمحسّنات البلاغية التي ترد في الخطاب، وهو ما أكّده بيرلمان في نظريته وجعل هذه المحسنات من المقوّمات الحجاجية الإقناعية.

֎ مهارات التعبير:

يشكّل درس التعبير والإنشاء مدخلا أساسيّا لترسيخ أخلاقيات الحوار والقدرة على الحجاج، باعتبار ذلك مدخلا أساسيّا يوجّه المتعلّم إلى الدفاع عن وجهة نظره بأساليب حضارية تنبذ العنف ورفض الآخر. فكلّما كان التلميذ أو الطالب قادرا على الحجاج اكتسب سلوكيات حضارية تجعله لا يفرض رأيه بالقوّة، بل يحاجج لإثباته، وقد يتخلّى عنه لصالح رأي آخر إذا أقنعه الآخر بحجّته. وفي هذا الصدد تظهر مجموعة من المهارات التي نسعى إلى ترسيخها لدى المتعلّمين من خلال درس التعبير والإنشاء لتتحوّل من ممارسة تعليمية إلى ممارسة واقعيّة، ونعني المهارات التالية: مهارة إنتاج نص حجاجي، مهارة الدفاع عن وجهة نظر، مهارة المقارنة والاستنتاج، مهارة إلقاء عرض شفهي...

   في كلّ هذه المهارات لا بدّ من الانطلاق من وضعيات تعليمية شبيهة بالحياة، ففي الدفاع عن الرأي ينطلق الأستاذ من قضية إشكالية معيّنة، ويطلب من التلاميذ التحاور بشأنها على أن يجنّد كلّ تلميذ مهاراته الحجاجية للإقناع بوجهة نظره دون أن نفرض عليه رأيا معيّنا. ونَخلُصُ من كلّ ذلك إلى تبنّي وجهة نظر معيّنة أو أكثر حسب وجاهتها الحجاجيّة.

  بهذا تغدو الممارسة الحجاجية سلوكا مترسَّخا لدى المتعلّم ينقله من المدرسة إلى خارجها مادامت المدرسة مجتمعا مصغّرا كما يؤكّد الكثير من المربّين، ما يُعتبر مدخلا أساسيا لتكوين مُواطِن متشبّع بثقافة الحوار والاعتدال وتقبّل الرأي الآخر.

֎ مهارات اللغة:  

         يرى الألسني الفرنسي" أوزوالد ديكرو" أنّ اللّغة تحمل في جوهرها بعدا حجاجيّا، وليست الوظيفة الإبلاغية هي الأساس والوحيدة في اللّغة، بل إنّ الوظيفة الحجاجية هي أهمّ وظائفها. ففي اللّغة نجد العوامل والروابط هي ما يتصدّر المنطلقات أو المبادئ وتزيد في قوّة توجّهها إلى الحجّة، إذ تمثّل الروابط الحجاجية مجموعة من المورفيمات (والمورفيم هي أصغر وحدات المعنى في اللغة) تصل بين ملفوظين أو قولين أو أكثر في إطار استراتيجية واحدة. فهي نوع من العناصر النحوية والظروف (الواو، الفاء، لكن، حتّى، إذن، ثمّ، بل، لاسيما، بما أنّ، إذ...إلخ)

   ويمكن تقسيم هذه الروابط إلى:

- روابط مدرجة للحُجج: حتّى، بل، لكن، مع ذلك

... روابط مدرجة للنتائج : إذن، لهذا، وبالتالي

- روابط مدرجة للتعارض الحجاجي: بل، لكنّ، مع ذلك…

-  روابط مدرجة للتساند الحجاجي: حتّى، لاسيما...

فقولنا: "زيد مجتهد إذن سينجح"؛ تكوّن هذا القول من حجّة ونتيجة قام الرابط الحجاجي بالربط بينهما.

֎ مهارات البلاغة:

 لئن كان الحجاجُ مبثوثا في مختلف الدروس فإنّه يتجلّى أكثر في الدرس البلاغي لما تلعبه المحسّنات البديعية التي ترد في الخطاب من دور حجاجي لا يمكن إغفاله بأي حال من الأحوال، وهو ما أكّده بيرلمان في نظريته وجعل هذه المحسّنات من المقوّمات الإقناعية. فمعظم الأساليب البلاغية تمتلك خاصّية التحوّل لآداء أغراض إقناعية تواصلية منها على سبيل الذكر لا الحصر الاستعارة والتمثيل:

- الاستعارة:

والتي تُعدّ من الآليات الحجاجية المهمّة التي يمارس المتكلّم من خلالها التأثير في المتلقي، ونبّه الجرجاني إلى وظيفتها الإقناعية حين قال: "فقد حصل في هذا الباب أنّ الاسم المستعار كلّما كان قِدمُه أُثبت في مكانه، وكان موضعه من الكلام أضنّ به، وأشدّ محاماة عليه، وأمنع لك من أن تتركه وترجع إلى الظاهر وتصرّح بالتشبيه، فأمر التخييل فيه أقوى، ودعوى المتكلّم له أظهرُ وأتمُّ "[7] .  ومثال ذلك في قول عروة بن الورد:

ثعالبُ في الحرب العوان وإنْ تنجُ          وتنفرجُ الجُلّى، فإنّهُمُ الأسْـــــــــــــــــــــــــــــدُ

فاستعارات عروة استعارات حجاجية، لأنّه يصف قومه في حالتي السلم والحرب، ولا يمكن أن يصفهم إلاّ بالوصف الذي يجعلهم في مرتبة أعلى من غيرهم، ولذلك نظر في السمات التي يمكن أن تحقّق لهم ذلك، فوجد أنّها الدهاء والحيلة في الحرب مع الشجاعة في السلم. ومن ثمّ اختار مستعارا منه وأورده بلفظه في خطابه.

- التمثيل:

وهو من الوسائل الحجاجية المهمّة، يقول محمد العمري في هذا السياق: "يقوم المثل في اللغة مقام الاستقراء في المنطق، والمثل هو استقراء بلاغي، والمثل حجّة تقوم على المشابهة بين حالتين "[8].  أمّا عبد القاهر الجرجاني فيقول: "واعلم أنّ ما اتّفق العلماء عليه أنّ التمثيل إذا جاء في أعقاب المعاني، أو برزت هي في معرَضه، ونُقلت عن صورها الأصليّة إلى صورته، كساها أبّهةً، وكسبها منقبةً، ورفع من أقدارها وشبّ من نارها وضاعف قواها في تحريك النفوس لها، و دعا القلوب إليها، واستثار لها من أقاصي الأفئدة صبابةً و كلفًا... فإن كان مدحا كان أبهى و أفخم، وأنبل في النفوس و أعظم... و إن كان ذمّا مسّهُ أوجعَ وميْسمُه ألذعَ... وإن كان اعتذارا كان إلى القبول أقرب و للقلوب أخلب... وإن كان وعظا كان أشفى للصدر وأدعى للفكر..."[9].

الخاتمة:

  ختاما نؤكد أنّ الحجاج يبقى عنصرا مهمّا في التربية، وفضلا عن ترسيخه أخلاقيات الحوار وتقنياته، يسعى إلى ترسيخ قيم التعاون والتفاهم واحترام الاختلاف. على أنّ الحجاج يجب ألاّ يبقى مادّة مستقلة تُدرّس ضمن منهاج اللغة، بل عليه أن يشمل مختلف المواد العلمية البحتة والعلوم الإنسانية. والأهم من هذا وذاك يجب أن يصبح الحجاج ممارسة بيداغوجية تتجلّى في طريقة التدريس التي يجب أن تتخلّص من سلطة المدرّس لتفسح المجال لتدخّلات التلاميذ الذين تتكوّن لديهم الاستقلالية، ويتعلّمون طرائق الإقناع والنقد الذاتي وحرّية الرأي واحترام الآخرين المختلفين، وكلّها قيم حضارية عليا تتأسس عليها المجتمعات الحديثة.

بحث أنجزه الأستاذ: مختار الماجري / تونس

الهوامش:


[1] ابن منظور، لسان العرب، تحقيق عبد السلام محمد هارون، مادّة حجج، دار صادر بيروت، لبنان، المجلد2 ط،1-1997 ص 570.

[2] أرسطوطاليس، الخطابة، ترجمة عبد الرحمان بدوي، ط : 1986 ص29-30.

[3] انظر د. عبد الله صولة في كتابه "الحجاج أطره ومنطلقاته وتقنياته" ص229، و د. صلاح فضل في مقاله " بلاغة الخطاب وعلم النص" بمجلة عالم المعرفة الكويت 1992 ص 76

[4] شاييم بيرلمان، [وهو أكاديمي بلجيكي (19121984) ، أستاذ بجامعة بروكسل، مؤسس ما يعرف بـ البلاغة الجديدة،] "التربية والخطابية" ص 154.

[5] المرجع السابق ص 155.

[6] المرجع السابق ص 157.

[7] عبد القاهر الجرجاني، "أسرار البلاغة"، تحقيق محمد رشيد رضا، ص 276.

[8] محمد العمري، " في بلاغة الخطاب الإقناعي" ص82.

[9] عبد القاهر الجرجاني، فصل في مواقع التمثيل وتأثيره، "أسرار البلاغة" ص85

مرحبا بكم في مجالس الرّكن النيّر للإبداع

23-4-2020

Flag Counter

أصدقاء مجالس الرّكن النيّر

أبو أمين البجاوي إسماعيل هموني البشير المشرقي البو محفوظ العامريّة سعد الله الفاضل الكثيري أماني المبارك أميرة بن مبارك إيمان بن ابراهيم إيناس أصفري بدوي الجبل بسمة الصحراوي بشر شبيب جمال الدين بن خليفة جميلة القلعي جميلة بلطي عطوي حليمة بوعلاق خالد شوملي خير الدين الشابّي رائد محمد الحواري سعيدة باش طبجي سلوى البحري سليمان نحيلي سنيا مدوري سوف عبيد صابر الهزايمه صالح مورو صباح قدرية (صباح نور الصباح) صبيحة الوشتاتي صفيّة قم بن عبد الجليل عبد الأمير العبادي عبد الحكيم ربيعي عبد العزيز جويدة عبد الفتّاح الغربي عبد الله بن عيسى الموري عبد المجيد يوسف عدنان الغريري عزّ الدين الشّابّي عنان محروس غادة إبراهيم الحسيني فاطمة محمود سعدالله فردوس المذبوح فيروز يوسف فيصل الكردي كفاية عوجان لطفي السنوسي لطفي الشابّي لمياء العلوي لودي شمس الدّين ليلى الرحموني محمد القصاص محمّد الهادي الجزيري محمّد سلام جميعان محمّد صوالحة محمّد مامي محمّد مبروك برهومي محمد مبسوط مختار الماجري مراد الشابّي منى الفرجاني ميساء عوامرية ناصر رمضان ندى حطيط هندة السميراني وهيبة قويّة يوسف حسين