الثلاثاء، 28 يونيو 2022

الهامشيون في المقامات العربية وروايات الشطّار الإسبانية د. محمود طرشونة، بقلم عبد المجيد يوسف/ تونس

 


الهامشيون في المقامات العربية

وروايات الشطّار الإسبانية

د. محمود طرشونة (1)

 

تناول محمود طرشونة في كتابه هذا مسألة غلب عليها التناول الشوفيني شرقا وغربا هي مسألة العلاقة بين الشرق الإسلامي والغرب المسيحي في العصر الوسيط... فالعرب يمجّدون إسهامتهم في النهضة الغربية ويبرزون ما كان فيه الغرب من ظلام فرضته الكنيسة... والغرب يباهي بنهضته القائمة على العلم والتجريب وتحويل النظريات  واستثمارها لصالح الإنسان... هذا التناول المغلوط النائي عن التناول العلمي هو ما أبرزه أندري ميكال في مقدّمة الكتاب وهو يصف منهج محمود طرشونة: "...انطلق (المؤلف) من مبدإ أساسي في البحث قوامه أنّ الحضارات ليست مطالبة بتبرير أيّ شيء لأيّ كان فحسبها... أن تكون كما هي."

حرّرت هذه الأطروحة في الأصل بالفرنسية، أنجزها المؤلف بإشراف أندري ميكال في جامعة الصوربون بباريس سنة 1980 وصدرت بالفرنسيّة سنة 1982 وترجمت إلى الإسبانية وترجمها صاحبها إلى العربية وصدرت عن دار سيناترا وعن المركز الوطني للترجمة بتونس سنة 1982.

ومن العنوان تتوضح بعض مقاصد الكتابة من التعامل مع المدوّنة حيث جعل موضوع الأطروحة أحد مكوّنات المقامة دون غيرها هي شخصية المكدّى الهامشي كما جعله أحد مكوّنات قصص الشّطّار الإسبانية، الشيء الذي ينزع بالعمل نحو التفكيك المنهجي للمدونة.

ثمّ إنّ تركيبة العنوان الجامعة بواسطة العطف بين مكونات مشحونة بالمحمول الحضاري:

الهامشون      الشطار

- المقامات         قص البيكارسك

- العربية         الإسبانية

هذه التركيبة توجّه توقّعات القراءة نحو الدراسة المقارنة وتلوّن أفق الانتظار بالعناصر الفنيّة والغايات الّتي تصبو إليها وميكانزمات استغلالها.

وهذه التركيبة تفتح أفق الانتظار على المعرفة الفلسفية أيضا وعلى الخطاب الإيديولوجي سواء استقرّ في مرحلة بناء الذّات بعد حركة التحرير من الاستعمار أو في تلمّس الذات وتثبيتها في مواجهة الآخر في خطابات العولمة.

ومن جهة ثالثة فإنّ هذا الشكل المستفاد من العنوان إنّما يقيّم الذات (سواء أفي بعدها الفردي أم في امتدادها الجمعي) في مواجهة الآخر قصد إجلاء ما هو ذاتيّ محليّ، مخالف لما هو غيري ومجابه له... بل يمكن الذّهاب إلى أنّ ذلك التناظر بين نظامين من القيم يحصل من خلال الوعي بالوجود الذاتي بواسطة التحديق بالآخر وتفحّصه وبواسطة التأمّل في الكيفية التي ينظر بها الآخر باتّجاهنا.

مثل هذا الصدى للتناظر المرآوي شديد الجلاء في الأطروحة، بل يمكن القول إنّ جهد المؤلف كان مندويا تجاه رصد هذه النظرات المتبادلة والتفحّص المزدوج الذي لم يخل من براءة حينا ومن عدائية حينا آخر. قد تتجلى البراءة في مجرد الوعي بالمكوّنات المؤسّسة لخصوصية الذات كالإلمام بطبيعة شخصية الرّاوي في المقامات وعلاقتها بالمكدّي وتقلباته والأوضاع التي يمرّ بها والفلسفة التي يؤديها سلوكه أو المقارنة بين المكدّى العربي والشّاطر الإسباني قصد رصد الفوارق والمشابهات ...

البراءة حينئذ مرتبطة بالنّظر في الذات دون انعكاس نظرة الآخر فيها أو مقارنتها به... يتوهم مركزيتها وتفرّدها واستعلاءها حتى إن لم يتمّ الوعي بها بصفة مطلقة ودقيقة لأنّ هذا الوعي إنما يحدث بواسطة المناظرة بالأخر.

ورقة من إعداد الباحث: عبد المجيد يوسف/ تونس

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يتم نشر التعليق بعد المراجعة

مرحبا بكم في مجالس الرّكن النيّر للإبداع

23-4-2020

Flag Counter

أصدقاء مجالس الرّكن النيّر

أبو أمين البجاوي إسماعيل هموني البشير المشرقي البو محفوظ العامريّة سعد الله الفاضل الكثيري أماني المبارك أميرة بن مبارك إيمان بن ابراهيم إيناس أصفري بدوي الجبل بسمة الصحراوي بشر شبيب جمال الدين بن خليفة جميلة القلعي جميلة بلطي عطوي حليمة بوعلاق خالد شوملي خير الدين الشابّي رائد محمد الحواري سعيدة باش طبجي سلوى البحري سليمان نحيلي سنيا مدوري سوف عبيد صابر الهزايمه صالح مورو صباح قدرية (صباح نور الصباح) صبيحة الوشتاتي صفيّة قم بن عبد الجليل عبد الأمير العبادي عبد الحكيم ربيعي عبد العزيز جويدة عبد الفتّاح الغربي عبد الله بن عيسى الموري عبد المجيد يوسف عدنان الغريري عزّ الدين الشّابّي عنان محروس غادة إبراهيم الحسيني فاطمة محمود سعدالله فردوس المذبوح فيروز يوسف فيصل الكردي كفاية عوجان لطفي السنوسي لطفي الشابّي لمياء العلوي لودي شمس الدّين ليلى الرحموني محمد القصاص محمّد الهادي الجزيري محمّد سلام جميعان محمّد صوالحة محمّد مامي محمّد مبروك برهومي محمد مبسوط مختار الماجري مراد الشابّي منى الفرجاني ميساء عوامرية ناصر رمضان ندى حطيط هندة السميراني وهيبة قويّة يوسف حسين