الجمعة، 24 يونيو 2022

قراءة في رواية "اللّواجيست"، لعبد المجيد يوسف،،، المجهر اللّغويّ النافذ للبواطن عبر الظّاهر (2) بقلم صالح مورو/ تونس

قراءة في رواية "اللّواجيست"، لعبد المجيد يوسف (2)

المجهر اللّغويّ النافذ للبواطن عبر الظّاهر

بقلم صالح مورو/ تونس

رابط الحلقة1 من القراءة

موضوع الرّواية: تصنيفها، حبكتها، مكانها وزمانها

للوهلة الأولى، تبدو رواية "اللّوّاجيست" واقعيّة بحتة، لكن وأنتَ تطوي صفحاتِها قارئا، مُتمعّنا، مُتلهّفا، ينحرف بك مسارها من الواقع البحت إلى الواقع المَشُوب بالخيال، انطلاقا مِمّا تتمظهر به بعض شخصيّتها من سلوكيّاتٍ غريبةٍ، منحرفةٍ عن الاعتدال "السّلوكي-الفكري-المجتمعي" السّائد نسبيّا... انحرافٌ يطغى عليه الفضول الزّائد عن حَدِّهِ ليرتقيَ إلى دوافعَ غيرِ أخلاقيّة في البعض من زوايا الرّواية والشخصيّات عبر الحوار والنظر الدائر بينها، فضول ينطلق من عينيْ الشخصيّة النّاظرة إلى المنظور إليها ليقف عند الباطن المُريب للنّاظر... بواطن اجتماعيّة مُريبة أدّتْ إلى الخصام، فالاشتباك، فالانفصال، فالتسامح على الطّريقة التونسية "بُوسْ خُوكْ" والباطن في حكم الغيب... ويبقى حبل الحوار والأفعال وردود الأفعال مشدودا وفي تصاعدٍ محبوكٍ ومَنسوجٍ بكلّ دقّة وعناية... أطرافُ الحديث في الحوار بين الشخصيّات دَبلجتْ هذه الرّوايةَ العصماءَ بالأقصوصةِ السّاخرة، الأسطورةِ الواعدة، التّاريخ التّليد للقبائل، أنظمةِ الحكم، مفهومِ السياسة والمجتمع القبليّ والديمقراطيّ غربا وشرقا... لو حدّدنا مكان الرّواية وزمانها وما يَعْمُرها من شخصيّات لقلنا: إنّ محورَها الأساسي "عيّنة اجتماعيّة" تونسيّة، من ذكر وأنثى، صغير وكبير، جمعتها سفرة في سيّارة "لوّاج" من تونس العاصمة شمالا إلى تطاوين جنوبا. دامت السفرة من الفجر انطلاقا إلى فجر اليوم الثاني وصولا... ونما الحوار إلى حدّ فَتح بابِ (الاسترجاع) عن طريق البطل الثاني للرّواية، غريمِ البطلِ الأوّلِ "اللّوّاجيست"... وهو "رجل المقعد الأمامي-الخلفي". بطلٌ ربط باسترجاعه في حديثه الأقطار العربيّة الثلاثة "تونس، ليبيا، مصر" حين كان هو الآخر "لوّاجيست" ولعشرِ سنواتٍ خلتْ، أثناء العشريّة الأولى قبل الرّبيع العربي... مشاهدٌ وحكاياتٌ يَطربُ لها القارئ... أطروحاتٌ بمقارباتٍ أساسها المعرفة بالتاريخ والجغرافيا والاجتماع، وما شابه... عناصر تربط بين الأقطار الثلاثة... مِثلُ هذا الواقع اعتمد أساسا على الخيال في روايتنا هذه النّادرة، مُرتكزها واقعٌ ولكن بتمدّدٍ خياليٍّ نادرٍ لا يقدر عليه إلا ذكاء نادر. وهو ما توصّل إليه الرّوائي عبد المجيد يوسف. هي إذا، من صنف "رواية الخيال الواقعي" لأنّ أحداثها مرتبطة بالحاضر القريب والواقع المعاصر... مع حاضرٍ مَعيشٍ داخل تونس كلِّها أثناء أواخر العشريّة الأولى من الرّبيع العربي...

 

عبد المجيد يوسف كراوٍ، من هو؟

يبدو خفيّا كمحرّك الدّمى تماما، كأنّي به مُخْتَبئٌ وراء المرآة العاكسة داخل سيّارة اللّوّاج... تتبّعتُ خطواتِه على مدى الرّواية... لاحظتُ بعين اليقين، وكلّ شيء نسبيّ، لكنّ حدسي لا يُخطئ في الكثير من الأحايين، أنّ سلاحه الأساسيّ هو "المعرفة" وفي أبهى مظاهرها وأشكالها: يتشكّل هذا الرّاوي من خلال تلك المعرفة مُطلَقَ الذّكاءِ مُطوِّعَه، مُتسلسلَ اللّسانِ حَاذِقَه، مُطِلاًّ واعٍ من شُرفات التّاريخ الأدبي والإنسانيّ... منصهرًا تمام الانصهار في بيئته الاجتماعيّة والجغرافيّة والسّياسيّة... مُنفتحًا على محيطه العربي... يُعطي الانطباع بكونه "رحّالة"... تَمسُّكه بناصيّة اللّغة العربيّة والسّيطرة عليها في أدقّ دقائقها جعل منه مُصوًّرًا بارعًا... كأنّ بين يديه "كاميرا" وهو يلتقط الصّورةَ تلو الأخرى ويرمي بها أمامك حياةً نابضة، ناطقة، تعيشُها مع شخصيّاته التي يرصد أقوالها وأفعالها وردود أفعالها بمنظاره اللّغويّ النّافذ من الظّواهر إلى البواطن في حبكة مُنقطعة النّظير... ثراءُ الخيال لديه مكّنه من الكثير من التّسرّبات التي أبهرني بها وسَيُبهر بها كلّ قارئ لهذا الأثر حيثما كان... لغته التّونسيّة "الدّارجة" ضمن الحوار بين شخصيّات الرّواية أضافت نكهة أخرى لبلورة المضمون ودقّة المعاني ومثّلت معينا آخر مُميَّزا في ثنايا الرّواية والأدب التّونسيّ عموما...

بقلم صالح مورو/ تونس

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يتم نشر التعليق بعد المراجعة

مرحبا بكم في مجالس الرّكن النيّر للإبداع

23-4-2020

Flag Counter

أصدقاء مجالس الرّكن النيّر

أبو أمين البجاوي إسماعيل هموني البشير المشرقي البو محفوظ العامريّة سعد الله الفاضل الكثيري أماني المبارك أميرة بن مبارك إيمان بن ابراهيم إيناس أصفري بدوي الجبل بسمة الصحراوي بشر شبيب جمال الدين بن خليفة جميلة القلعي جميلة بلطي عطوي حليمة بوعلاق خالد شوملي خير الدين الشابّي رائد محمد الحواري سعيدة باش طبجي سلوى البحري سليمان نحيلي سنيا مدوري سوف عبيد صابر الهزايمه صالح مورو صباح قدرية (صباح نور الصباح) صبيحة الوشتاتي صفيّة قم بن عبد الجليل عبد الأمير العبادي عبد الحكيم ربيعي عبد العزيز جويدة عبد الفتّاح الغربي عبد الله بن عيسى الموري عبد المجيد يوسف عدنان الغريري عزّ الدين الشّابّي عنان محروس غادة إبراهيم الحسيني فاطمة محمود سعدالله فردوس المذبوح فيروز يوسف فيصل الكردي كفاية عوجان لطفي السنوسي لطفي الشابّي لمياء العلوي لودي شمس الدّين ليلى الرحموني محمد القصاص محمّد الهادي الجزيري محمّد سلام جميعان محمّد صوالحة محمّد مامي محمّد مبروك برهومي محمد مبسوط مختار الماجري مراد الشابّي منى الفرجاني ميساء عوامرية ناصر رمضان ندى حطيط هندة السميراني وهيبة قويّة يوسف حسين