عصر
ما بعد الكورونا
|
عزّ الدين الشابّي/ تونس
|
في
خضمّ ما نلاحظه الآن من تخلّف عالمي عامّ وشامل تمثّل أساسا في عجز منظومات العيش على
مواكبة بعض الظواهر والطوارىء الطبيعيّة والاعتراف الصريح بعدم جاهزيّتها للتّصدّي
للكوارث المهدّدة باندثار البشر ودمار حضارته بسبب محدوديّة قدرات ما يسمّى بالتحضّر
والتمدّن والذكاء البشري والصناعي على حدّ السواء وقد تساوى في زمن الكرونة ما كان
يسمّى تخلّف العالم الثالث والشعوب المتخلّفة والبلدان المصنّفة بكونها في طريق النّموّ
ومن بينها بعض البلدان العربيّة من جهة والّتي تعتبر نامية ولكن تخلّفها الذهني والتكنولوجي
لا يسمحان لها بأن تكون في الصدارة كبعض بلدان الخليج العربي.
كلّ
هذه الأنظمة بلا استثناء ثبت عجزها على التوقّي من هذا الوباء الّذي سَوَّى بين الفقير
والغني والمتقدّم والمتخلّف
والصغير
والكبير والمتحضّر والجاهل والمرأة والرجل والبعيد والقريب والمريض والمتعافي ووضع
في الصدارة بعض القيم الأخلاقية الثابتة والّتي برزت صلاحياتها كالتعاون والتآزر والتّحابب
والغيريّة والتكافل والتضامن كما ثبتت نجاعة القيم الأخلاقية وقيمة الخلق وقدرة الخالق
وحتميّة الإيمان به بطريقة أخرى تختلف عن كلّ تلك العبادات العمياء وذلك التديّن المتزمّت
أو المغلق أو المرعب أو المرهب وكلّ تلك القيم المتطرّفة سقطت في سلّة المهملات وثبت
فسادها بنفس الدرجة الّذي ثبت بها فساد التهوّر والاستهتار والتفسّخ والإلحاد.
وبدا
عصر ما بعد الكرونا يدعو لإرساء قيمه الجديدة وفَرَضَ البحث عنها وإرساءها على أسس
ثابتة من طرف الجميع
وما
انهار ما كان يحسب على التقدّم العلمي والتكنولوجي وما توخّته السياسات في ما يسمّى
بالبلدان المتحضّرة أو النامية أو العظمى غربية أو شرقية عربية أو غير عربية إسلامية
أو غير إسلامية وثبتت اية
أنّ
الدين عند الله الإسلام.
وليس
أيّ إسلام بل ليس حتّى إسلامنا الموروث والّذي يطمح أن يسيّر حال الناس بالانغلاق والتزمّت
الّذي يصل لحد الإرهاب.
كلّ
هذه التعاليم والمعتقدات زهقت كما زهق كلّ باطل.
ما
الحلّ؟
الحلّ
أن يتولّى مثقّفونا لا التشهير بالتخلّف بل تقديم تطبيقات عمليّة لنماذج تحضّر فعلي
يحوّل نمط عيشنا تحويلات جذريا من أجل بعث إنسان جديد متحضّر وتجنّب نمطيّة مفهوم المتحضّر
الثائر أو الناقد للدّين بل فهم الدّين فهما أكثر تفتّحا وأقرب دين لهذا المنطق الحديد
هو الدّين الإسلامي الأصلي الّذي أتي في القرآن والسنة النبويّة الخالية من التأويلات
والتّشديد والتطرّف واعتبارها منهجا لإصلاح التصرّف البشري وترميم منظومة الأخلاق الإنسانيّة
الّتي تتطلّب الخروج بالدّين الإسلامي من القوالب الموروثة القاتمة والمتناقضة إلى
ذلك الدّين الّذي ينتظر الكافر حتّى يسلم والعاصي حتّى يتوب ويعتمد العلوم ويوظّف التكنولوجيا
ويتعامل مع البحوث العلميّة ويشجّع الاكتشافات ويعيد القول: إنّما يمخشى الله من عباده
العلماء.
عندها
يمكن للدّين أي الأخلاق أن يصبح دستورا.
الكاتب:
عزّ الدّين الشابّي/ تونس