عبد المجيد يوسف/ تونس |
جاء الشّتاء متأخّرا
جاء الشّتاء بعد موعده بقليل
جاء هادئا بلا
رعد، مسالما بلا نار
وليس معه ولو
سنونو واحدة تفتح له الطّريق
صعّر خدّه يمينا وصعّر خدّه شِمالا
لم يجد ولو نسمة
بحريّة واحدة تكنس الأوراق
التي قد يكون
تركها أيلول على الرّصيف
والسّماء
الخضراء البعيدة
لم تطرح على
مفرقها ذاك الشّال الأبيض الشّفيف
الذي احتفظت به
من عامها الفائت
ولم ترم على كتفيها ذاك المعطف الثّقيل الدّاكن من
الكشمير
والأشجار على جانبي الطّريق وفي الجبال وفي السّهوب
لم ترسل بأوراقها إلى المدابغ كما يشتهي الشّتاء
والموجة، الموجة
في الخليج،
ظلّت على هدوئها
الصّيفيّ الرّصين
وعلى ابتسامتها
العذية التي رسمها الصّيف على ثغرها
وظلت تعابث
الصّيّادين، تحاول أن تخطف منهم سمكة...
والنّهر... نهر مجردة... ظل حبيس مجراه،
ولم "يأكل من لحم ضفافه"[1]
كما فعل في الرّبيع...
حتّى طائر اللقلق في تلال باجة،
ألهاه التّكاثر وحبِسه الدّفء
كأنه ظل عاكفا على عبادة اللقلق الحجري في بوابة المدينة
فلم يغادر إلى مِصْرِه البعيد.
والأرض... (حتى ما كان منها رِخوا يُخفي لزُوجة تحت
الأديم)
صدّت الأوتاد التي رام الشّتاء أن يدُقّها فيها لنصب
خيمة.
***
حزنت السّماء ولبست معطفها الثّقيل
وحزنت الشّجرة
فسلّمت أوراقها إلى أهواء كانون.
وحزنت الموجة وأزبدت ورفضت حمْل قوارب الصّيّادين
حزن الجميع...حتى اللقالق في بيُوتها فوق أبراج الكهرباء
حزن الجميع... عندما رحل الشّتاء باتّجاه الشّمال
البعيد.
عبد المجيد يوسف/ تونس
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
يتم نشر التعليق بعد المراجعة