سيمياء اللباس في "سمفونية شغف" لزينب بوخريص
بقلم: مراد الشابّي/ تونس
"سمفونية شغف" مجموعة قصصية لزينب بوخريص تضمّ عشرين أقصوصة تنفتح على
قراءات عديدة وتتيح النظر من زوايا مختلفة من بينها اللباس من حيث هو علامة حضرت
في احدى عشْرة أقصوصة وغابت عن تسع أقاصيص.
جاءت الجبة والشاشية عنوان أصالة وجمال وفي مقابل هذا اللباس المفعم بالانتماء
إلى الوطن تظهر الفساتين الجديدة في "ثورة الشك" عنوان إغراء
و"ربطة العنق" في "نوافذ الذاكرة" عنوان تكلّف لذلك تخلص منها
الطبيب ليقترب من المريضة ويلتقي معها حول ماهو انساني عميق تحجبه المظاهر. وفي
"حلم مفقود" يلتقي البطل الذي ضحى من أجل مبادئه بشخص أنيق "يرتدي
ملابس فخمة من أحدث الصيحات" فإذا هو أحد رفاقه القدامى الذين تنكروا
لمبادئهم وإذا اللباس عنوان نفاق ورياء وانهيار قيمي. وفي "المفارقة"
تضع المومس، التي تحاول إنقاذ ما تبقى من شرفها، "ثوبا باليا" اُنهك كما
اُنهك الجسد الذي يحمله فما عاد يصلح لباسا، أما في "استيتيقا" فترفض
الصحفيةٌ الكتابة عن "آخر صيحات الموضة والأزياء" وتفضّل الاستقالة على
الانخراط في التفاهة وبذلك جاء اللباس رمزا للسطحية والابتذال عكس ما بدا عليه في
"سمفونية شغف" التي تدور حول فتاة تقاوم المرض بالعزف وتحضر الحفل
بـ"ثوبها الأبيض الجميل وشعرها المنساب على كتفيها يزينه شريط أحمر".
لقد كان حضور اللباس وظيفيا إذ طُعّم بعناصر وصفية جعلته يتجاوز وظيفته الاجتماعية
لينفتح على آفاق جمالية ودلالية جديد.
وكان غياب اللباس وظيفيا أيضا ففي أقصوصتيْ "أمل" و"لص رغم
أنفه" يطالعنا الواقع عاريا ملؤه الشقاء والمعاناة بسبب الفقر المدقع الذي
تعانيه الشخصيات، ويعوّض اللباسَ إطارُ اللوحة في "انعتاق" ورحمُ الأم
في "قبس من ضياء"، وفي أقصوصتيْ "وجهة نظر" و"سراب"
"تحيا الفتاة في ألفاف نشوتها". والبحر في "خيبة أمل"
و"أشجار السرو الباسقة" في أقصوصة "شيماء" ينوبان عن اللباس
فكأن الكاتبة تأبى أن تترك شخصياتها عارية تماما فتجعل لها أكسية تستعيرها حينا
(ألفاف نشوتها) وتمدّها من جسم الشخصية حينا آخر (الرحم / الشعر) وتتخذها من
الطبيعة حينا ثالثا (الشجر والبحر).
هذا التوظيف المميّز للباس ـ استحضارا وتغييبا ـ حدّد في المجموعة القصصية
"سمفونية شغف" الاتجاه الهويّاتي (شاشية تونسية أصلية) والاتجاه الديني
(شرائط ملوّنة) لتزيين أضاحي العيد والاتجاه الجمالي (ثوبها الأبيض الجميل)، وأفصح
عن أهم خصائصها الفنية لأنه أتاح التركيز على الوظيفي الهام في رسم الشخصيات والاهتمام
بها من زاوية محددة وربَط الأقاصيص بالواقع وأكسب عباراتها طاقة إيحائية وهبت
للمجموعة شعريتها وأسهمت في تحقيق فرادتها.
مراد الشابّي/ تونس