كتاب "نزهة الألبّاء في طبقات الأدباء"
لأبي البركات الأنباري،
ورقة من إعداد الباحث: عبد المجيد يوسف/ تونس
كان الشعراء والنحاة والأدباء والفقهاء.... في بديات النقد الأدبي العربي
يصنّفون إلى طبقات بشكل تفاضليّ. ولم يكن المنهج المعتمد في هذا التصنيف واضح المعايير
بل كان خاضعا لاعتبارات متعدّدة كالانتماء إلى جهة أو إلى فئة اجتماعية أو إلى الأسبقية
إلى معنى ما أو إلى صفات في ذات الشاعر، فقيل عن إمرئ القيس "أوّل من اغتدى والطير
في وكناتها" (شرح المعلقات السّبع لابن الأنباري) وقال أبو عبيدة "أشعر الناس
أهل الوبر" (جمهرة أشعار العرب للقرشي) وقال الذين قدّموا عمرو بن كلثوم
"هو من قدماء الشعراء وأعزّهم نفسا وأكثرهم إمتاعا" (الجمهرة) وقال الذين
قدّموا النابغة الذبياني "هو أوضحهم معنى وأبعدهم غاية وأكثرهم إفادة" (الجمهرة).
إذن فكتب الطبقات تعتمد المفاضلة على معيار ما، لكن هذه المعايير ليست
قياسية ثابتة وعامّة يحتكم إليها الجميع.
والكتاب الذي نريد اليوم تقديمه هو "نزهة الألبّاء في طبقات الأدباء"
لأبي البركات الأنباري. وهو كتاب مهمّ في مادته كما سيأتي بيانه.
وقد نشر الكتاب عديد المرات نشرات مبتورة مشوّهة وغير معتمدة على مقابلة
النّسخ المخطوطات بعضها ببعض حتى حققه تحقيقا علميا الدكتور المصري المرحوم عطية عامر
أستاذ اللغة العربية بجامعة استوكهولم (1922/2012) نشره لأول مرة في استوكهولم سنة
1962 والطبعة التي لدينا هي الطبعة التونسية الصادرة بسوسة عن دار المعارف سنة
1998.
والمؤلف هو أبو البركات عبد الرحمن بن محمد الأنباري (513/577) للهجرة
فلا يختلطن على قارئ هذا التقديم بأبي بكر محمد بن القاسم الأنباري (271/328) وهو شارح
القصائد السبع الطوال (المعلقات).
ألّف أبو البركات في اللغة والنحو والأدب والتاريخ والفقه الشافعي وأصول
الفقه وعلم الكلام والأنساب والتصوف. لكن كتبه لم تصلنا كلّها، فما وصل منها وحقّق
أشار إليه المحقّق وما لم يصل من هذه المؤلفات استقى عناوينها ومادتها من كتب التراجم
مثل بغية الوعاة للسيوطي والطبقات الكبرى للسبكي وكشف الظنون لحاجي خليفة.
وكتابه هذا نزهة الألباء انطلق فيه من مفهوم عام وشامل للأدب مستقرّ
عند غيره ممّن سبقه وهي أنّ علوم الأدب ثمانية: النحو واللغة والتصريف والعروض والقوافي
وصنعة الشعر وأخبار العرب والأنساب. بيد أنّ أغلب من ترجم لهم في نزهة الألباء هم النّحاة
ولا نعدم بعض الأدباء من غير النّحاة كالجاحظ وأبي نواس وحمّاد الرّاوية وأبي تمام
وأبي الطيب المتنبي وأبي بكر الأنباري...
لكن المستغرب أنّ أبا البركات لم يصنّف من ترجم لهم كما هو شائع في
كتب الطبقات حسب معيار واضح، بل ليس هناك ذكر لأيّ مفاضلة بين المترجم لهم. وعلى هذا
فإنّ كتابه أجدر أن يصنّف ضمن كتب التراجم لا ضمن كتب الطبقات. فهذا الصنف من الكتب
يحتوي فضلا عن التراجم على رؤية نقدية وإن كانت معتمدة على معايير ذاتية غير ناجعة.
وأمّا ترتيبه فيبدو أنه زمنيّ لأنه بدأ بأوّل من وضع النّحو وهو في
نظره علي بن أبي طالب أفضى به إلى أبي الأسود الدّؤلي وانتهى به إلى وفاة أستاذه الشريف
ابن الشّجري سنة 542 للهجرة.
ويحتوي نصّ الترجمة على ذكر الاسم مطولا ثمّ الولادة والمنشأ والاختصاص
المعرفيّ والأستاذين ممّن تتلمذ عليهم وبعض ما اعترض صاحب الترجمة من الوقائع والحوادث
والأخبار.
وفائدة هذا الكتاب أنّه موسوعة للثقافة العربية إلى منتصف القرن السادس
تقريبا.
ورقة من إعداد الباحث: عبد المجيد يوسف/ تونس