إضاءات لغويّة
ينيرها: عبد المجيد يوسف/ تونس
لام الجحود
التسمية:
يوافق
ابن هشام في المُغني مواطنه المصري بهاء الدّين بن النّحّاس (توفي 698هـ) وينقل عنه
تسميتها بلام النّفي ويرفض تسميتها بلام الجحود لأنّ الجَحد عنده غير النّفي، ولأنّ
الجَحد في اللغة هو مطلق الإنكار... لكنّ المستقرّ عند النّحاة أنّها لام الجحود. ولم
يهتمّ بها بعضهم، ولم يعدّها الزّمخشري في مفصّله ضمن أصناف اللّامات العاملة في الإعراب
وغير العاملة، وهي ثمان: لام التعريف ولام جواب القسم والمواطئة للقسَم ولام جواب لو
ولولا ولام الأمر ولام الابتداء واللام الفارقة من صنف"إنْ كل نفس لما عليها حافظ"
ولام الجرّ. ولم يتدارك عيه في ذلك ابن يعيش في شرحه للمفصّل.
موقعها :
قال ابن
هشام في المغني: "هي الدّاخلة في اللفظ على الفعل مسبوقة ب "ما كان
" أو "لم يكن" ناقصتين مسندتين لما أُسند إليه الفعل المقرون باللام
نحو "وما كان الله ليطلعكم على الغيب" (انتهى النقل عنه)
هاهنا
يلتفت ابن هشام إلى طبيعة التّركيب النّاجم عن دخول لام الجحود عن طريق الفحص لِلَوازم
اللام وما تقتضيه وعن طريق النّظر في العلاقات الإسنادية ويستنتج من كلامه:
المقتضيات:
*دّخول
لام الجحود على الأفعال دون الأسماء في إطار صدر الجملة الإسمية دون غيرها (الخبر)
ولا يجوز تأخيرها.
* فإذا
كان الخبر مشتقّا إسميا اختفت كما في الآية﴿ ...َومَا كَانَ ٱللَّهُ مُعَذِّبَهُم وَهُم
يَستَغفِرُونَ﴾
فوظيفتها في الأسلوب افتتاح الكلام
بالنّفي المطلق... وكونها متعلّقة بفعل ناقص هو الذي جعلها جائزًا دخولُها على بنية
الجملة الإسمية.
* هذا
الفعل المتعلق بها مخصوصٌ هو "كان" النّاقصة دون غيرها من أخوات كان، في
زمنين: الماضي والمضارع:
﴿ وَمَا
كَانَ ٱللَّهُ لِيُعَذِّبَهُم وَأَنتَ فِيهِم ﴾ [الأنفال: 33]
﴿إِنَّ
الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ
طَرِيقًا﴾ (النساء:168)
*يورد
ابن هشام بيتا من الشّعر يحتوي على حذف "ما كان" لكن معنى الجحود ظل قائما:
فما جَمْعٌ
ليغلب جَمع قومي***مقاومةً ولا فردٌ لِفرد.
فالواضح
أن معنى النفي يضلع به الحرف ما، ودور "كان" الإطلاق.
*هناك
تراكيب يمكن أن تلتبس على المتلقي فيعدّها ضمن لام الجحود : من قبيل " ما جئت
لأقاتلكم أو لآخذ أموالكم" فاللام هنا للتعليل ولا صلة لها بالجحود.
العلاقات الإسناديّة:
إنّ علاقة
الإسناد تذهب في اتّجاهين: خلفيّ وأماميّ… باتّجاه الخلف لتنفي الاستحالة المطلقة لإمكانية
إتيان الفعل الثاني المحتلّ محلّ الخبر، وفي اتّجاه الأمام لتنفي مطلقا إتيان الفعل
الذي يؤدّي معجميّا معنى مخصوصا وبذلك يخرج بالنّفي من المطلق الذي تؤدّيه عبارة
"ما كان" إلى النّسبيّ من المعنى... ويذهب الكوفيون إلى " نفي النّية
" بالعبارة الأولى ثم جاءت اللام زائدة
لتقوية النّفي، فالأصل "ما كان يفعل"...
ومن العبث في نظرنا الدّخول في
التّأويل الدّلالي، ولا في تعليل عمل النّصب بوجود "أن" مضمرة وجوبا على
مذهب البصريين عوضا عن التعامل مع الظاهرة كما هي ماثلة في التّداول.
عمل لام الجحود:
هو عند
الكوفيين حرف زائد غير جارّ بل ناصب فهم يجعلونه في ذاته ناصبا مخالفين البصريين في
وجود أن مضمرة وجوبا كما أسلفنا لأنه في الأصل جارّ مُعَدّ (يحقّق تعدية الفعل) متعلق
بخبر كان.
وبلاغة
أسلوب لام الجحود إنما هي عند البصريين. أمّا عند الكوفيين فاللام زائدة لتوكيد النّفي.
وبذلك يحصرون معناها في النّحو ويقصونها عن البلاغة.
والحاصل
في نظرنا أنّ لام الجحود ذات قيمة أسلوبيّة وذات دور في تحسين الكلام بما تدخله على
البنى الدلالية (النفي بين الإطلاق والنسبة) وعلى البنى التركيبية (تحريك بنية الجملة
الإسمية) من تغييرات قادرة على تكثيف الدلالة الحاصلة من التعبير المجرد.
ورقة من إعداد الباحث: عبد المجيد يوسف/ تونس