الأحد، 10 أكتوبر 2021

وضع الأفلاطونيّة اليوم (2) بقلم: جون فرنسوا ريفال Jean François REVEL ترجمة: المترجم والباحث عبد المجيد يوسف/ تونس

 وضع الأفلاطونيّة اليوم (2)

بقلم: جون فرنسوا ريفال Jean François REVEL

ترجمة: المترجم والباحث عبد المجيد يوسف/ تونس

 رابط الورقة الأولى

   الورقة  الثانية:

هذا عن مسرّات الأفلاطونية، أمّا عن الجانب الجادّ أو النّظرية فماذا بقي من آثار أفلاطون مفيدا، فكريّا وأخلاقيّا لعالم اليوم؟

هاهنا مسألة لا تستطيع الأستطيقا وحدها أن تجيب عليها رغم أنّ أفلاطون علمنا أنّ الجمال والحقّ والخير كلّها ليست سوى واحد، وبم يمكننا الاحتفاظ من هذا المشهد البالغ الخصوبة الذي كان يعتقد أنّ بإمكانه إخضاع كلّ الموادّ المعرفيّة للتّدليل الرّياضيّ؟

لقد أقام أفلاطون منظومات نظريّة لكلّ المعقولات كالعلم والحكمة والفضيلة والسّياسة والنّفس والرّذيلة ونشوء الكون والمنطق والتّربية وعالم الظواهر والعالم الذي أسماه "ما فوق الحسّ" أي الذي يتجاوز الإدراك الحسّيّ. وختاما فإنّ أفلاطون – مثل كلّ المنظرين – كان أميل إلى تبرير أفكاره منه إلى مناقضتها. ورغم أنّ "نيتشه" لم ينجح هو الآخر في مناقضة نفسه فإنّه اتّهم أفلاطون واصفا إياه بأنّه لو كان له أن يوجد في عالم اليوم (عصر نيتشه) لما ظهر بوجه فيلسوف ولكن بوجه المتديّن المتعصّب الذي تزعجه الرّياضيات.

ولا شك أنّ أقلّ الأفكار الأفلاطونية قابليّة للعصرنة هي الميتافيزيقا رغم أنّ هذا المصطلح لا يناسبه لأنّه وُضع لاحقا من طرف أرسطوطاليس، فأبعد أفكاره عن فكرنا المعاصر نظريتُه عن الأفكار والأشكال التي هي نماذج مطلقة ثابتة مستقرّة في عالم موصوف بالمعقوليّة في مناقضة لعالم محسوس متغيّر هو عالم الظواهر الذي نعيش فيه.

لقد كان أفلاطون مهوسا بالتّناقض بين هذا العالم الحسيّ السّائر باطّراد في طريق الفساد(7) وبين عالم ما وراء الحسّ حيث يوجد الحُسن لذاته والخير لذاته وتوجد صور الأشياء مجرّدة لذاتها كصورة السّرير أو صورة المركب. ومن هنا جاءت إدانة أفلاطون للفنّ وهو أمر غريب بالنّسبة إلى كاتب سما بفنّه إلى أعلى الدّرجات، ذلك أنّه يعتبر أنّ الرّسّام الذي يرسم سريرا يقترف كذبة مزدوجة، فالسّرير الواقعيّ الذي ندركه بحواسّنا هو نفسه نسخة زائفة عن السّرير المجرّد الموجود في عالم ما وراء الحسّ ، والسّرير المرسوم على اللوحة هو نسخة عن النّسخة.

إنّ الفلسفة عند أفلاطون تتمثّل في التّرقّي بواسطة الجدليّة التي هي في ذات الوقت مصعّدة ومعمّقة من الرّياضيات من حركيّة الظواهر إلى ثبات الأفكار. هذه النظرية لم تقبل من أيّ طرف من أتباع أفلاطون بدءا بألمعهم أرسطوطاليس، بل الأغرب أنّه وقع تجاهلها من طرف من عقِبَه من المنتخَبين على رأس الأكاديميّة أي مدرسة الفلسفة التي أنشأها. ويبدو أنّ أفلاطون نفسه قد وعَى في محاورات "البارمنيد" بالصّعوبات غير الممكن تجاوزها والتي يطرحها تفسير العلاقة بين عالم المعقولات وعالم المحسوسات.

(يتبع)

..........................

الورقة القادمة:

منجزات الأفلاطونية

..........................

الهوامش:

(7) فساد: تغير الصورة حتى زوالها ومآلها إلى العدم بعد الوجود (تعريفات الجرجاني).

(8) البارمينيد: محاورة أفلاطونية فيها جدل بين سقراط وبارمينيد وزينون الأيلي حول نظرية الواحد والمتعدد.

ورقة يصدرها الباحث والمترجم: عبد المجيد يوسف/ تونس

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يتم نشر التعليق بعد المراجعة

مرحبا بكم في مجالس الرّكن النيّر للإبداع

23-4-2020

Flag Counter

أصدقاء مجالس الرّكن النيّر

أبو أمين البجاوي إسماعيل هموني البشير المشرقي البو محفوظ العامريّة سعد الله الفاضل الكثيري أماني المبارك أميرة بن مبارك إيمان بن ابراهيم إيناس أصفري بدوي الجبل بسمة الصحراوي بشر شبيب جمال الدين بن خليفة جميلة القلعي جميلة بلطي عطوي حليمة بوعلاق خالد شوملي خير الدين الشابّي رائد محمد الحواري سعيدة باش طبجي سلوى البحري سليمان نحيلي سنيا مدوري سوف عبيد صابر الهزايمه صالح مورو صباح قدرية (صباح نور الصباح) صبيحة الوشتاتي صفيّة قم بن عبد الجليل عبد الأمير العبادي عبد الحكيم ربيعي عبد العزيز جويدة عبد الفتّاح الغربي عبد الله بن عيسى الموري عبد المجيد يوسف عدنان الغريري عزّ الدين الشّابّي عنان محروس غادة إبراهيم الحسيني فاطمة محمود سعدالله فردوس المذبوح فيروز يوسف فيصل الكردي كفاية عوجان لطفي السنوسي لطفي الشابّي لمياء العلوي لودي شمس الدّين ليلى الرحموني محمد القصاص محمّد الهادي الجزيري محمّد سلام جميعان محمّد صوالحة محمّد مامي محمّد مبروك برهومي محمد مبسوط مختار الماجري مراد الشابّي منى الفرجاني ميساء عوامرية ناصر رمضان ندى حطيط هندة السميراني وهيبة قويّة يوسف حسين