اللوحة لـ: فيروز يوسف |
السّاعةُ
الحادية عشرة قبل منتصفِ اللّيلِ... لا أعلمُ ما بال هذا التّوقيتِ بالذّات... فما
إن يحينَ حتى ينتابُني شعورٌ أنّه وقتُ استيقاظِ تلك الجُزيئاتِ من الدّماغِ المسؤولةِ
عنْ سرْدِ أحداث حياتي السلبيةِ... فيُؤذنُ ببدايةِ الثورة اليوميّة مابينَ الجُيوش
نفسها... أنا وتلك الأحداث...
كي أكون صادقاً... أيّ شخصٍ سيُلقي بنَظَرهِ على صفوفِ الجيوش
سيَغدو ساخراً... فأعْدادُ العدوّ لا تبشرُّ بخيرٍ أبداً... وتُنبؤ بهَزيمةٍ نكراء
لي... ولكنني وُلدتُ محارباً من أنفاسيَ الأولى... ولا أعترفُ بالهزيمة... فالحرْب
خُدعةٌ... والشّجاعةُ سلاح... والأمَلُ جيشٌ بحدّ ذاتِه...
غالباً ما تستَمرّ تلكَ الحربُ الضّروسُ طويلاً... فتارةً يبادرُ
العدوُّ بهجومٍ فتّاك يحملُ معه ذكريات طفولَتي المريرة... ونظَراتي على دُمى صديقي
الّتي جلبها معهُ كيْ نُمضي بعضَ الوقت معاً... تلكَ النّظرات الّتي أصِفُها بغيومٍ
ثقيلةٍ حمَلتْ بِباطنها الكثير من الدُّموع... وتنتظرُ الوقتَ المناسب... وقتَ رحيلِه...
كي تأذَن بالمطرِ الغزيرِ... وتارةً تهجمُ عليَّ بمراحلِ الشّباب... حاملةً معها تعليقاتي
عَلى صورِ أصدقائي في مواقعِ التواصلِ الاجتماعيّ... أباركُ لهذا بِخطوبتهِ... وأفرحُ
لذاكَ بمناسبةِ مولودِهِ الأوَّل... وأشاركُ الضّحكاتِ مَع أولاءك الّذين قَضوْا إجازتِهم
الصيفيّةِ على إحدى تلك الجُزُر... تعليقاتٍ أصِفُها بمياهِ نهرٍ اختلطَ ببحرٍ... فبعضُها
حلوٌ يحملُ في طياتِهِ فرحًا و سرورا... وبعضُها مالحٌ يَحرقُ العيون فتدْمع... أحاولُ
التصدّي قَدْرَ المُستطاع لتلكَ الهجماتِ... وفي كُل تصدٍّ أفقِدُ جُزءاً من جَيشي
الّذي يُقدّمُ حياتَه تضحيةً كيْ أستمرّ بالمضيِّ قُدُماً...
تتوالى هَجمات العدوِّ... ويُوشِكُ الجمهور أنْ يُعلنَ نهاية
الحرب بهزيمتي... وفي كلّ مرّةٍ أصلُ لتلك اللّحظة... تأتي الإمْدادات... تأتي وُعودُ
أمّي "سيَفتحُ اللهُ عليكَ قريباً"... ومُواساة أختي "لا تَحْزن فالخيرُ
آتٍ"... وسَنَدُ أخي "أنا مَعك ما حييت"... ونَصائحُ أصدقائي
"لا تيْأس فالفرجُ قريبٌ"... فَتَدُكُّ
جيوشَ العدوِّ دكًّا... فيبدأُ بالانسحاب... ويأتي صَوْتٌ من بعيدٍ يُؤذنُ بتمام الساعةِ
الثانية عشرة... ويَبدأُ يومٌ جديد... فأبْتَسمُ ابتسامةَ النّصرِ... لقد صَمَدتُ مرّةً
أخرى... فأُغمضُ عَيْنيّ... وترتاحُ دموعي... ويَرتوي حَلقي... سأعيشُ لأقاتلَ ليلةً
أُخرى... فما زال هنالك بَصِيْصُ أَمَل.
كتابة:
فيصل الكردي
رسم:
فيروز يوسف
* اللّوحة: الخلفية أسود حبر.
الأبيض
أكريليك أبيض مع طامس الحبر... الأبعاد A4
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
يتم نشر التعليق بعد المراجعة