خُلقَ إنساناً (شيزوفرينيا ) ...
حوار أداره الأديب سليمان
نحيلي مع الأديبة عنان محروس
باكورة روايات الأديبة الأردنيّة عنان محروس الصادرة
عام 2019 .
تنتمي الرواية إلى الخط الاجتماعي، حيث تتناول الناس المهملين
سكان العالم السفلي والمحرومين حتّى من حقّ النسب. حكاية بطلها طفل فتكت الحرب الأهلية
في لبنان بوالديه فتلقّفته امرأة وزوجها ليمنحاه أبوّتهما عبر تزوير وثيقة ميلاده
ونسبه مع عدد من الأطفال لتقوم بإساءة معاملتهم واستغلالهم في التسوّل لأجلها، ودفع
البنت سلمى لبيع جسدها في سوق الرذيلة. وليظهر لدى الطفل مرض انفصام الشخصيّة الذي
يتحكّم بتصرّفاته.
وبمناسبة صدور هذه الرواية، كان لنا فرصة اللّقاء مع الأديبة عنان
محروس لتسليط المزيد من الضوء عليها.
- في
روايتك ( خُلق إنساناً ) استخدمت تقنية العنوان الفرعي ( شيزوفرينيا )، غالباً
عندما يلجأ الكاتب إلى هذه التقنية يكون الهدف من ورائها بحسبان الارتباط بين
العنوانين تفسير أو تكميل العنوان الرئيسي وتسليط حزمة ضوئية مكثّفة على جوّ
الرواية وفتح آفاق الاستفسار والتصوّرات عن أحداثها بما يولد نوعاً من الجذب لدى القارئ،
.فإلى أيّ مدى يشغلك العنوان بشكل عامّ؟ وإلام كنت
ترمين من وراء وضع فرعي لروايتك؟
*العنوان ليس فقط عتبة
النص، بل هو نصّ مُوازٍ يبني الفكرة، وعنوان الرواية له
تأثير خاص عند المتلقّي الواعي، والقادر على تحليل التركيب النحوي والنفسي
للعنوان، وسبر غور العلاقة المنشودة، بين فرعيّ عنوان الرواية.
- فضّلت الأدبية عنان المحروس
في عمليّة البناء الحكائي للرواية استخدام أسلوب السرد الذاتي للأحداث على لسان الأشخاص،
فتمّ تقسيم الرواية إلى فصلين رئيسين حيث تولّى سرد أحداث كلّ فصل أحد البطلين
الرئيسين في الرواية آدم – مريم
. بقناعتك
ماذا يقدّم هذا الأسلوب في السرد للكاتبة وللقارئ وللرواية معاً وبمعنى آخر ما
سبب رجحان استخدام هذا الأسلوب في روايتك؟
*غلبة ضمائر المتكلّم في
السرد، من خلال لسان أبطال الرواية، يجعل الرواية حيادية ومنطقية أكثر، وتعدّد
الرواة، لعبة مسار حبكة الرواية والتشويق، لتحيل عناصر المفاجأة إلى جوارح القارئ
وتكتمل الصورة
- لقد تم توظيف
الاسم ( آدم ) في الرواية بشكل منتج وناجح كإسم يحمل دلالة تاريخية كبرى باعتباره
أبو البشرية جمعاء قبل أن تتناهب الإنسانيةَ النزاعاتُ العرقية والطائفية والقومية
وغيرها فهل سعيتِ بالمقابل إلى توظيف اسم مريم حين منحته للبطلة في الرواية وما الصلة
بين مريم آل عمران ومريم التي رسمتها عنان؟
*آدم قصة موت نفسي، لم
يعرف للحياة معنى، يشبه الكثير والكثير من البشر منذ ظهور آدم عليه السلام على
الأرض، أمّا مريم فقد يكون صلتها مع مريم آل عمران يتعدّى الاسم إلى الظلم الذي
وقع عليهما.
- أستاذة
عنان من الناحية الزمنية والواقعية ولد ( الحبّ ) كشعور إنساني نبيل لدى الإنسان
قبل ( الطائفية أو القومية أو العرق ) كمعطى بشري
.وعطفاً
على الرواية وبحسبان اختلاف طائفتي كلّ من البطلين آدم ومريم، هل ذهبت الكاتبة في
روايتها إلى ترسيخ مقولة أنّ الحبّ ينبغي أن يكسر الحواجز والخلافات بين بني
البشر وأنّ الصفة الإنسانية هي القاسم والمعيار المشترك الأوحد بينهم وأنّه لا
فضل لفردٍ على فردٍ إلا بالانسانية ؟ وبالتالي هل يشكل الزواج العابر للطوائف
حلاًّ لمشكلة التجاذب الطائفي التي تحتدم في مسائل حسّاسة كالزواج أم أنّه
بالعكس يُسعّرُ مسألة التجاذب الطائفي وخاصّةً عندما يثمر الزواج عند إنجاب
أولاد وانخراطهم في مجتمعهم الواسع الرافض أساساً لتقبّل زواج مختلفي الطوائف؟
وإلى أيّ مدى ينطبق هذا الأمر مع مقولة: اإنّ قانون الحبّ هو الجنون وقانون
الزواج هو العقل؟
*الدين لله والمحبّة
للبشر. ولكن ما قيمة العقل بعيدًا عن العاطفة، وما قيمة الجسد بعيدًا عن الروح
وبالتالي ما قيمة الدّين والإنسانية بعيدًا عن الأخلاق.
- ظهر
البطل آدم في الرواية كضحيّة لمجتمع فتكت به الحرب الأهلية فهو طفل مجهول النسب
تمّ تزوير نسبه وإلحاقة بأبوين لم ينجباه، فأضحى إنساناً مأزوماً محروماً
مقهوراً، ولكنّه ذكيٌّ بنفس الوقت، وبالرغم من تفوّقه الدراسي إلاّ أنّ حقيقة
نسبه وماضيه ظلاّ يلاحقانه، والسؤال أليس من المقبول وفقاً للتحليل النفسي
لشخصية آدم القول إنّ حبّه وزواجه من مريم كان الهدف منه تلبية نداء مكنون في أعماقه
وهو قطع الصلة مع ماضيه والخلاص من هاجس نسبه المجهول بالاقتران بمريم ابنة العائلة
المعروفة ذات الجمال والمال؟ أم أنّه كان يبحث عن أم ًّ حنون تعوضه عمّا عاناه
من فقدان أمّه الحقيقية وعن قساوة بهية أمه على الورق ربما وجدها بمريم؟
*لابدّ آدم بحث عن جميع
ما ذكرت بمريم، لأنّ شخصية آدم لا تقرأ بمؤشّر واحد بل بعدّة مؤشرات، تباعًا على
حسب المرحلة العمرية وما تعرّض له في حياته.
- يبدو من
الرواية أنّ القدر استجاب لرغبات آدم الدفينة المتمثّلة بقطع صلته بماضيه من خلال
موت من يعرفون حقيقته (الشيخ عماد ، أبو مريم ، سلمى ...) فهل يمكن أن يتكرّر ذلك
مع آدم آخر على أرض الواقع؟
*الأماني محرّك حياتنا
الخفيّ، والسّوي نفسيًا وعقليًا، لا يسعى إلى تسيير الأمور وفقًا لأمانيه إن
تعارضت مع الخير لغيره، فلا يعالج الشرّ بالشرّ. لكنّ آدم إنسان غير سويّ بل مريض
بسرطان الأمراض النفسية ( الشيزفيرينيا).
- ظهرت
الرواية الشيخ عماد كرجل دين حقيقي منفتح ونبيل احتضن آدم ورعاه وعلّمه وأمّن له
عملاً مرموقاً.
ترى كم من
الشيخ عماد في مجتمعاتنا؟ وهل تكفي المبادرات الفردية لحلّ مشكلة خطيرة لمشكلة الأطفال
ضحايا حرب الكبار؟
*الجهود الفردية لا تكفي
طبعًا، بل نحتاج إلى تضافر جهود المؤسّسات المعنية، أمّا الشيخ عماد فيرمز في
الرواية إلى كلّ محسن كريم، و إلى الضمائر الحية.
- عند
عودة الشيخ عماد من عند أبي مريم حينما ذهب لإطلاعه على حقيقة آدم قبل مباشرة
العمل لديه يصف آدم الشيخ عماد فيقول: (عاد شيخي مقطب الحاجبين فانهار أملي
بيقظة الإنسانية والتسامح في قلوب البشر).
وعلى
الرغم من أنّ المشهد يبدو كدعابة من قبل الشيخ عماد لآدم كمحاولة لتمثيل حالة
رفض أبي مريم التحاق آدم بالعمل لديه الذي وافق بكلّ نبلٍ ومحبّة. ألا يمكننا
السؤال عن ماذا قدّم هذا الموقف المخاتل من قبل الشيخ عماد للرواية، وهل كان من
صالح آدم من الناحية النفسية؟ وماذا أرادت الكاتبة القول؟
ألا يشي
هذا الموقف بقناعة مجتمعية راسخة في لاوعي الشيخ عماد (بالرغم من نقائه وخيريته)
تقوم على رفض التعامل مع أمثال حالة آدم؟
*نحن نعيش في تجاذب وجدال
مستمرّ، ما بين الخير والشرّ، هي قضية البشرية في كلّ عصر وحين، الكيان البشري
ينجذب إلى خصائص الطين فينا، ولكن سمو أرواحنا تحاول تحقيق الخير والجمال، وهذا ما
حدث مع أبي مريم.
- بدت
علاقة آدم بالمكان متذبذبة وواعية في معظم مراحل الرواية، فهل يعزى ذلك إلى رغبة
آدم المأزوم من واقعه بالاانفصال عن حقيقته وماضيه اللذان يلاحقانه، أم أنّه
محاولة من الكاتبة لإسقاط الرواية وأحداثها على أشخاص آخرين مثل آدم وفي
أماكن أخرى من العالم؟ هل ذلك من قبل تصدير الرواية إلى مجتمعات مماثلة لمجتمع
آدم ، بمعنى هل تنحصر هذه الرواية ضمن حدود مكانها في المجتمع اللبناني بظروفه
المذكورة في الرواية؟
*الاغتصاب الذي تعرّض له
بطل الرواية، شكّل تحولًا ومنعطفًا خطيرًا في حياته. ولا أخص أبدًا المجتمع
اللبناني بالذات، بل المجتمع العربي بأكمله الذي يتقلّب على تلٍّ من الخطيئة.
- هل
يستطيع القارئ القول إنّ مريم في الرواية انتصرتْ للأمومة على حساب الحبّ والزواج؟
وهل يُبرّر
لمريم تلبيتها لغريزتها ولو كانت نبيلة (الأمومة أن تكون خارج مؤسسة الزواج ) أي
أن تحمل الجنين سفاحاً من غير زوجها؟
ومن جهة أخرى أليس من الممكن لو أتمّت مريم
الحمل وأنجبت أن يولد لدينا آدم آخر كآدم البطل مع اختلاف بعض التفاصيل؟
وهل في
عدم المضي بمريم حتّى الأنجاب هو انتصار للأخلاق من قبل الكاتبة بحسبان عدم
مشروعية الحمل أم أنّه تفريغ لعقدة آدم لكرهه للأولاد؟
*الأمومة أكبر محفّز
لإنسانيّتنا، ومريم إنسانة ترتكب المعاصي والزلات، لم تكن ملاكًا، وإن انتصرت في
النهاية للخير لتعيد ترتيب الفجوات والأخطاء في حياتها، إلى المسير القويم والعطاء.
- حفلت
الرواية بصور وتراكيب ومقاطع شعريّة عديدة هامّة لكِ، ولعلّ هذا ليس غريباً عليك باعتبار
أنّك تكتبين الشعر ولديك مجموعة شعرية ( ترجّل ) هل هذا يعني أنّ الرواية يمكن
أن تستوعب أكثر من فن، وأين تجد عنان نفسها في الرواية أم الشعر؟
*في الحقيقة (هواجس،
ترجل) هو عبارة عن مجموعة نصوص نثرية، فلا أعتقد أني شاعرة، سبقها مجموعة قصصية
بعنوان (أغدًا ألقاك) ومسرحية (الجوكر) ولا أنسى (سلسلة حكايات ماما عنان )
للأطفال... يرى كثير من النقاد أنّ القص وباقي فنون الحرف طريقة طبيعية للنموّ
الروائي، لكنّ القالب الذي يميل له قلمي، الرواية والقصّة.
- ويتساءل
القرّاء عن مصير البطلين آدم ومريم وهل يخبئ لنا الجزء الثاني من الرواية
مفاجآت ما تشغل العملية الدرامية على مدار رواية قادمة، أم أن ّ الكاتبة تبقى
ميّالة لآدم الكاره للمفاجآت؟
*لننتظر... ربّما القادم
سيقلب رّدة فعل القارئ والنقاد، رأسًا على عقب. وربّما آدم يكره المفاجآت، أّما
عنان فتتبنّاها وتميل إليها في العمل السردي.
_بدا
البطل آدم كناكرٍ لجميل الشيخ عماد الذي اعتبره كابنه واحتضنه صغيراً ورعاه كبيراً
بكلّ محبة وتفان.
وتفان وذلك حين انهال على الشّيخ تقريعاً وصبٍّ جام غضبه
من المجتمع على الشيخ عماد كثيراً كما لو أنّه يمثّل المجتمع وذلك عندما بيّن له
الشيخ محاذير الدّخول في علاقة حبّ مع مريم ذات الدّين المختلف، هل تتّفقين مع هذا
الرأي؟
*مبادئ وشرائع عديدة،
نؤمن ولا نعمل بها. لذلك نقول ما لا نفعل للأسف، النظريات سهلة، لكن أرض الواقع
فمعبد الصعوبات والعثرات.
- سؤال
أخير أستاذة عنان، تناهى إلى سمعنا وجود مفاوضات مع شركة إنتاج فني لتحويل
روايتك إلى فيلم سينمائي، ما حقيقة ذلك؟
*نعم، كان هناك مشروع
تحويل الرواية إلى سيناريو، ولكن جائحة كورونا كانت حائلًا وعائقًا حيث أوقفت
العمل حاليًا على أمل أن تعود لنا الحياة نقيّة.
_كلمة أخيرة
تحبّين قولها؟
*أقتبس جملة مريم الأخيرة
في الرواية (كلّنا مصابون بالفصام يا عزيزي، وطرق الحياة لا تقود إلاّ لمتاهة)
امتناني لكم وخالص شكري...
حوار بقلم
الأديب سليمان نحيلي مع الأديبة عنان محروس