الجمعة، 11 فبراير 2022

قصيدة النّثر وحركة الكوجيتو، ورقة أدبيّة يصدرها الباحث: عبد المجيد يوسف/ تونس

 
قصيدة النّثر وحركة الكوجيتو، ورقة أدبيّة يصدرها الباحث: عبد المجيد يوسف/ تونس

هيمن الفكر على الحياة في أوروبا حتى قبل القرن العشرين (منذ القرن الثامن عشر) وصارت حتى الرّياضيات والفيزياء في حالتهما التّجريديّة مرفوضتين باعتبارهما عِلما ماقبليّا (أشير هنا إلى حلقة فيينا صاحبة الوضعيّة الجديدة في بداية القرن العشرين).

حيويّة الفكر الغربي حينئذ جعلته يراجع مفاهيمه بصفة منتظمة. فبعد مراجعة الميتافيزيا ورفض مقولاتها واعتبارها لا تعني شيئا يطاله المنطق لأنّها متكوّنة من عناصر غير حسّية صارت العقلانيّة المُفرطة هي الأخرى موضوع مراجعة من طرف نيتشه أوّلا ثمّ من طرف فلاسفة ما بعد الحداثة لوثوقيتها بالعقل الإنسانيّ وسعيها إلى تحصيل حقيقة ثابتة.

حركة الفكر في ظلّ هيمنة اللوغوس:

 -من الذّات إلى العالم:

هيمنة العقل على ذات الإنسان ومركزية هذه الذّات تتجلى بوضوح في الكوجيتو الدّيكارتي "أنا أفكر إذن أنا موجود" فالتّمظهر الأوّل للوجود هو حركة العقل بالتّفكير... أنا أفكر متأمّلا ذاتي وكاشفا لإمكاناتها لأكتشف أنّي موجود في العالم... فحركة اللوقوس متّجهة من الذّات إلى العالم والخطاب الشّعريّ الذي نحن بصدده معبّر بوضوح عن هذه الحركة.

انظر مثلا هذا المقطع الصّغير من "التّراب الذي فوقه سماء" للشّاعر التّونسي شمس الدّين العوني:

ما علّتك الفادحة؟

أراك الآن تخرج من عينيك لترى اللّاشيء...

ما علتّك الفادحة إذن؟

سوادٌ يحرسه سواد

والفراغ أثاثه فراغ.

فحركة الفكر جليّة، منطلقة من الذّات المتمثّلة معجميّا في ضمير الخطاب (ويمكن أن يكون للتّكلم أو الغياب لا فرق)، وفكريّا في الاستفهام عن العلّة... ممّا هو داخل في صلب العمل التّأمّليّ spéculation/ ، والعلّة لها في المعاجم معنيان: المرض، وحتى هذا المعنى يُعيده التّهانوي إلى المعنى الذي سنذكره عن حكماء الإغريق، والثّاني عّلة الشّيء أيْ ما يتوقّف عليه وجوده ويكون خارجا عنه ومؤثّرا فيه.

ووظيفة العقل في الشّاهد هي الكشف عن الوجود واستكناهه وفهمه، وهو الوظيفة الأساسيّة للفلسفة في مداها الكلاسيكي: إدراك وضعيّة الإنسان في الكون...

بيد أنّ المنحى الشّعريّ للخطاب يحمّله بالطّابع المأساويّ كما هو الشّأن في بدايات عمل التّفلسف حيث كانت التّراجيديا هي الفعل النّبيل للعقل في مجابهة القوى الغيبيّة وحيث يجانِبُ الشّعرُ الفلسفة دون الانفصال عنها... فتصاب حركة العقل بالعَمَهِ Cécité ولا تصيب الإدراكَ المنشود وهو ما يولّد النفَس المأساويّ.

والمجال لا يسمح لنا باستعراض مزيد من الشّواهد وتحليلها. وما أردناه هو بيان نموذج من قصيدة النّثر المنتسبة في أبعادها الأونطولوجية إلى نموذج التّفكير الدّيكارتي: الانطلاق من الذّات العاقلة المتمركزة حول اللوغوس باتّجاه العالم لاستكشافه وإقرار وجودها فيه وتحديد كيفية هذا الوجود وصنعه. هذا النّمط من الكتابة أدعوه "قصيدة النّثر الكلاسيكيّة" رغم أنّها تاريخيّا تأتي في سياق تيّار الحداثة.

(في الورقة القادمة: تحوّل حركة اللوقوس من العالم إلى الذّات).

ورقة من إعداد الباحث: عبد المجيد يوسف/ تونس

الاثنين، 24 يناير 2022

إضاءات لغويّة ينيرها: عبد المجيد يوسف/ تونس لام الجحود

إضاءات لغويّة

ينيرها: عبد المجيد يوسف/ تونس

لام الجحود

 لام الجحود من النّواصب الّتي تُهمل في المقرّرات المدرسيّة عندنا حسب علمي، ربّما لما أثارت من خلاف بين النّحاة حول طبيعتها وعملها وربّما لطبيعة التركيب التي تحدثه والمعاني المعقّدة التي تدخلها في تأويل الكلام أو لسبب آخر. وفي ما مضىمن زمن المدرسة التونسية كانت تُدرّس بناء على مذهب البصريّين فيها.

التسمية:

يوافق ابن هشام في المُغني مواطنه المصري بهاء الدّين بن النّحّاس (توفي 698هـ) وينقل عنه تسميتها بلام النّفي ويرفض تسميتها بلام الجحود لأنّ الجَحد عنده غير النّفي، ولأنّ الجَحد في اللغة هو مطلق الإنكار... لكنّ المستقرّ عند النّحاة أنّها لام الجحود. ولم يهتمّ بها بعضهم، ولم يعدّها الزّمخشري في مفصّله ضمن أصناف اللّامات العاملة في الإعراب وغير العاملة، وهي ثمان: لام التعريف ولام جواب القسم والمواطئة للقسَم ولام جواب لو ولولا ولام الأمر ولام الابتداء واللام الفارقة من صنف"إنْ كل نفس لما عليها حافظ" ولام الجرّ. ولم يتدارك عيه في ذلك ابن يعيش في شرحه للمفصّل.

موقعها :

قال ابن هشام في المغني: "هي الدّاخلة في اللفظ على الفعل مسبوقة ب "ما كان " أو "لم يكن" ناقصتين مسندتين لما أُسند إليه الفعل المقرون باللام نحو "وما كان الله ليطلعكم على الغيب" (انتهى النقل عنه)

هاهنا يلتفت ابن هشام إلى طبيعة التّركيب النّاجم عن دخول لام الجحود عن طريق الفحص لِلَوازم اللام وما تقتضيه وعن طريق النّظر في العلاقات الإسنادية ويستنتج من كلامه:

المقتضيات:

*دّخول لام الجحود على الأفعال دون الأسماء في إطار صدر الجملة الإسمية دون غيرها (الخبر) ولا يجوز تأخيرها.

* فإذا كان الخبر مشتقّا إسميا اختفت كما في الآية﴿ ...َومَا كَانَ ٱللَّهُ مُعَذِّبَهُم وَهُم يَستَغفِرُونَ﴾

 فوظيفتها في الأسلوب افتتاح الكلام بالنّفي المطلق... وكونها متعلّقة بفعل ناقص هو الذي جعلها جائزًا دخولُها على بنية الجملة الإسمية.

* هذا الفعل المتعلق بها مخصوصٌ هو "كان" النّاقصة دون غيرها من أخوات كان، في زمنين: الماضي والمضارع:

﴿ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُعَذِّبَهُم وَأَنتَ فِيهِم ﴾ [الأنفال: 33]

﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا﴾ (النساء:168)

*يورد ابن هشام بيتا من الشّعر يحتوي على حذف "ما كان" لكن معنى الجحود ظل قائما:

فما جَمْعٌ ليغلب جَمع قومي***مقاومةً ولا فردٌ لِفرد.

فالواضح أن معنى النفي يضلع به الحرف ما، ودور "كان" الإطلاق.

*هناك تراكيب يمكن أن تلتبس على المتلقي فيعدّها ضمن لام الجحود : من قبيل " ما جئت لأقاتلكم أو لآخذ أموالكم" فاللام هنا للتعليل ولا صلة لها بالجحود.

العلاقات الإسناديّة:

إنّ علاقة الإسناد تذهب في اتّجاهين: خلفيّ وأماميّ… باتّجاه الخلف لتنفي الاستحالة المطلقة لإمكانية إتيان الفعل الثاني المحتلّ محلّ الخبر، وفي اتّجاه الأمام لتنفي مطلقا إتيان الفعل الذي يؤدّي معجميّا معنى مخصوصا وبذلك يخرج بالنّفي من المطلق الذي تؤدّيه عبارة "ما كان" إلى النّسبيّ من المعنى... ويذهب الكوفيون إلى " نفي النّية " بالعبارة الأولى ثم جاءت اللام  زائدة لتقوية النّفي، فالأصل "ما كان يفعل"...

 ومن العبث في نظرنا الدّخول في التّأويل الدّلالي، ولا في تعليل عمل النّصب بوجود "أن" مضمرة وجوبا على مذهب البصريين عوضا عن التعامل مع الظاهرة كما هي ماثلة في التّداول.

عمل لام الجحود:

هو عند الكوفيين حرف زائد غير جارّ بل ناصب فهم يجعلونه في ذاته ناصبا مخالفين البصريين في وجود أن مضمرة وجوبا كما أسلفنا لأنه في الأصل جارّ مُعَدّ (يحقّق تعدية الفعل) متعلق بخبر كان.

وبلاغة أسلوب لام الجحود إنما هي عند البصريين. أمّا عند الكوفيين فاللام زائدة لتوكيد النّفي. وبذلك يحصرون معناها في النّحو ويقصونها عن البلاغة.

والحاصل في نظرنا أنّ لام الجحود ذات قيمة أسلوبيّة وذات دور في تحسين الكلام بما تدخله على البنى الدلالية (النفي بين الإطلاق والنسبة) وعلى البنى التركيبية (تحريك بنية الجملة الإسمية) من تغييرات قادرة على تكثيف الدلالة الحاصلة من التعبير المجرد.

ورقة من إعداد الباحث: عبد المجيد يوسف/ تونس

مرحبا بكم في مجالس الرّكن النيّر للإبداع

23-4-2020

Flag Counter

أصدقاء مجالس الرّكن النيّر

أبو أمين البجاوي إسماعيل هموني البشير المشرقي البو محفوظ العامريّة سعد الله الفاضل الكثيري أماني المبارك أميرة بن مبارك إيمان بن ابراهيم إيناس أصفري بدوي الجبل بسمة الصحراوي بشر شبيب جمال الدين بن خليفة جميلة القلعي جميلة بلطي عطوي حليمة بوعلاق خالد شوملي خير الدين الشابّي رائد محمد الحواري سعيدة باش طبجي سلوى البحري سليمان نحيلي سنيا مدوري سوف عبيد صابر الهزايمه صالح مورو صباح قدرية (صباح نور الصباح) صبيحة الوشتاتي صفيّة قم بن عبد الجليل عبد الأمير العبادي عبد الحكيم ربيعي عبد العزيز جويدة عبد الفتّاح الغربي عبد الله بن عيسى الموري عبد المجيد يوسف عدنان الغريري عزّ الدين الشّابّي عنان محروس غادة إبراهيم الحسيني فاطمة محمود سعدالله فردوس المذبوح فيروز يوسف فيصل الكردي كفاية عوجان لطفي السنوسي لطفي الشابّي لمياء العلوي لودي شمس الدّين ليلى الرحموني محمد القصاص محمّد الهادي الجزيري محمّد سلام جميعان محمّد صوالحة محمّد مامي محمّد مبروك برهومي محمد مبسوط مختار الماجري مراد الشابّي منى الفرجاني ميساء عوامرية ناصر رمضان ندى حطيط هندة السميراني وهيبة قويّة يوسف حسين