الأحد، 19 سبتمبر 2021

إصلاح المنطق لابن السّكّيت، ورقة من إعداد الباحث: عبد المجيد يوسف/ تونس

عبد المجيد يوسف/ تونس
 

إصلاح المنطق لابن السّكّيت

ورقة من إعداد الباحث: عبد المجيد يوسف/ تونس

 

من النّاس من لا يعرف كتاب "إصلاح المنطق" لابن السّكّيت لأنّه قليل التّداول في المكتبات التّونسيّة وقد مضى على طبعته الثالثة خمسون سنة. والطبعة التي لدينا هي الطبعة الأفضل إذ حقّقها أحمد محمد شاكر وعبد السّلام محمد هارون تحقيقا علميّا صحيحا معتمدا على مقارنة المخطوطات الباقية وهي أربعة، ونشرتها دار المعارف بمصر بالتحقيق الذي أشرنا إليه، متضمّنة مقدّمات وشروحا وفهارس ضافية وهي النّشرة الكاملة الأولى وقد نُشر قبلها جزءٌ من "تهذيب إصلاح المنطق" بصنعة أبي زكريا الخطيب التَّبريزي، شارح المعلقات (421 - 502 هـ).

والمؤلّف هو يعقوب بن إسحاق بن السّكِّيت الأهوازي، من أيمّة اللغة في القرن الثالث الهجريّ أصله من خوزستان، تعلّم ببغداد ثم اتّصل بالمتوكّل العبّاسي، فعهد إليه بتأديب أولاده ثم قتله لتشيّعه القويّ سنة 244 للهجرة، وقد فصّل الإخباريّون ظروف قتله وفيها اختلاف في الرّوايات.

ولعلّ العنوان الذي اختاره المؤلف لكتابه هو الذي جعل تداوله محدودا أو على الأقلّ لم يساعد على التّعريف به، إذ يذهب الظنّ بمن يقع بيده أنّه كتاب في علم المنطق الباحث في قوانين التّفكير بتنظيم البراهين، المميّز للصّواب من الخطإ، في حين أنّ العنوان لا يعدو أن يكون مصدرا ميميّا من "نطق" أيْ "تلفظ". والاستعمال شائع معروف في القرآن: "وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ ۖ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ" ﴿النمل﴾16

كما استعمل العبارةَ فريد الدّين العطار عنوانا لمنظومته الرمزية البلغة 4500 بيت موضوعها بحث الطيور عن الطائر الوهمي المعروف بسيمورغ.

وقد أوقع العنوانُ في الخطإ دارسا كبيرا ومحقّقا فذّا هو جرجي زيدان إذ نقل عنه المحقّقان قوله في "تاريخ آداب اللغة العربيّة" أثناء التّرجمة لابن السّكّيت إنّه "ألّف في علم المنطق".

ومن هنا تظهر غاية التّأليف وهي توجُّهُ الكِتاب نحو إصلاح ما في كلام العامّة من لحن ومخالفة لقواعد الاشتقاق خصوصا وعدم التّمييز بين مختلف الوظائف التي تؤدّيها الأصوات في الإعراب عن الدلالة. مثلُ هذا العمل منخرط، من ناحية أنثروبولوجية في مقاومة التّأثير البالغ لغير العرب في لغة التّواصل اليوميّ. فإذا علمنا أنّ ابن السّكّيت من أصل غير عربيّ بَانَ لنا درجة حماسه لهذه اللغة وحضارتها وللجنس العربيّ، ولعلّ ذلك جاء من جهة تشيّعه. ومن وجهة نظر لسانيّة يمكن القول إنّ الكِتاب يحمل نظرة آنية (سنكرونية) للغة العربيّة في مرحلة زمنيّة معيّنة من تاريخها هي زمن التّأليف دون النّظر إلى ما قبل ولا إلى المآل اللاحق.

ولعلّ العنوان ليس هو وحده المسؤول عن ندرة تداوله أو الرّجوع إليه، بل ربّما أنّ سبب ذلك تشيّع صاحبه الذي دفع بالمتوكّل العبّاسي إلى قتله، ولهذا أيضا يحظَى مؤلفنا بإجلال كبير في أدبيّات الشّيعة... وفي ذات السّياق فإنّ كُتبا قيّمة للشّيعة الإسماعيليّة "كالمجالس والمُسايرات" للقاضي النّعمان (توفي سنة 363للهجرة) (تحقيق الحبيب الفقي وإبراهيم شبّوح ومحمد اليعلاوي1978) أو "أساس التّأويل" لذات المؤلف (تحقيق عارف تامر) قليلة التّداول في بيئة سُنّيّة، مثلما أنّ شعراء الخوارج من قبيل قَطَريّ بن الفجاءة وصالح بن عبد القدّوس والطرمّاح بن حكيم... قلّ من يعرفهم من غير المتخصّصّين.

وكتاب ابن السّكّيت يحتار المرء في تصنيفه بين المُعجميّة والفيلولوجيا. جمع فيه الألفاظ المتّفقة في الوزن الواحد المختلفة في المعنى، والمتفقة في الوزن المتفقة في المعنى، وما فيه لغتان أو أكثر حسب المتداوَل في القبائل العربية، فقال في غضون كتابه: " قال أبو عبيدة: تميم من أهل نجد يقولون "نِهْي" للغدير وغيرهم يقول "نَهي"، ويقال "السَّلَم" للصُّلح ويقال "السِّلم" (انتهى النقل عنه). وخصّص بابا لما يُعلّ وما يسلَم من العلّة، وبابا لما يُهمز وما لا يُهمز، وما تلحن فيه العامّة وخاصّة من غير العرب.

ففي باب ما يُهمز ولا يهمز ذكر: "أوزعه يُوزعه إيزاعا إذا أغراه وقد أوزعه إذا ألهمه. قال الله جلّ ثناؤه﴿رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ...﴾ " (النمل 19) أيْ ألهمْني.

والمهمّ أنّه توخّى وصف اللغة في واقعها التّداولي فيما نَصِفُهُ اليوم باللسانيات الوصفيّة.

وبما أنّ مؤلفنا معجميّ فضلا عن كونه فقيها لغويّا فقد أثبت للمفردات دلالة ودعّمها بالشّواهد من القرآن ومن الحديث ومن الشّعر والأمثال. وهذه الشّواهد إنّما تعبّر عن التزامه بالواقع اللغويّ العربيّ الصّافي من الدّخيل ومن اللّحن مصدرا لتعريفاته.

 أمّا طريقة ترتيب مادّته على أوزان الكلمات على النّحو الذي بيّنّا فلم يكن غريبا وقتئذ لهيمنة الدّرس اللغويّ على غيره من المعارف المتّصلة باللغة، فقد سبقه الخليل بن أحمد إلى ترتيب مادة "العين" بحسب مقياس صوتيّ، مبتدئا بصوت أقصى حلقيّ هو العين Pharyngal (وبه سُمّي الكتاب) منتهيا بحرف شفتاني Bilabial (حسب معجم د. رشاد الحمزاوي اللساني). وهو الميم. كما إنّه – من النّاحية التوثيقية- دالّ على الخطوات الأولى للعرب في علم المعجميّة والبحث عن معايير لترتيب مادّة المعجم وإن كان أبو البقاء العُكبري (توفي سنة 616 للهجرة) قد رتّبه على حروف المعجم وسمّاه (المشوف المُعْلم في ترتيب الإصلاح على حروف المعجم). (طبع بدمشق سنة 1983). لكنّنا لم نطلع عليه ولم نتحقّق في طبيعة النّظام المتّبع في هذا التّرتيب.

ونقول على سبيل الخاتمة إن إصلاح المنطق يكتسي أهمية من جهة أنّه:

*في باب المعجميّة يمثل تطوّرا بالقياس إلى المعاجم السّابقة له حيث مثّل مرحلة مهمّة من البحث المعجميّ الهادف إلى إرساء أسس للمعجم العربيّ واعتماد لطريقة صرفيّة لترتيب مادّته غير الطريقة الصّوتية المتوخّاة في كتاب العين.

*ومن وجهة نظر لسانيّة يمثّل الكتاب مظهرا طريفا في البحث اللغوي يتمثل في اعتماد منهج وصفيّ للغة كما تُتداول في مرحلة ما من تاريخها.

 

ورقة بقلم الباحث: عبد المجيد يوسف/ تونس

الاثنين، 13 سبتمبر 2021

نوّة: المسافة بين الشخصية والعنوان، مراد الشابي/ تونس

 

نوّة: المسافة بين الشخصية والعنوان

بقلم: مراد الشابي/ تونس

 

استوقفتني "نوة" وهي تعلن حضورها على صفحة غلاف الرواية بكل قوة وثقة واعتداد. لم أكن أعرفها فلم نكن قد التقينا من قبل ولكن هاهي وحيدة المي تعلنها عنوانا لروايتها. كيف تبوّأت هذه المنزلة وصارت عنوانا وهي لا تحمل تاريخا وعبرة شأن شخصيات قصص الأنبياء في القرءان أو أبطال الروايات التاريخية (جرجي زيدان...)؟ فهل تريد "نوة" التأسيس لمرجعيّتها من داخل النص على غرار "مدام بوفاري"؟

"نوّة". يطالعنا الاسم على صفحة الغلاف معلنا أنه العنوان، عنوان الرواية وعنوان الخصب في المطر وفي الأنثى فهو يحيل على كليهما وعنوان مغامرة في القصّ راهنت على الشخصية لتجعلها مناط السرد ومبعث أسئلة تتناسل في مسارب قراءةٍ تقتفي أثر "نوة" وهي تعرج إلى النهاية وعينها على البدايات تسترجع طفولة مثقلة بالمعاناة وتنوء بماض أليم رسم ملامح حاضرها أو بعضا منها.

أردت أن أسأل الكاتبة وحيدة المي عن هذه المسافة التي يقطعها الاسم ليكون شخصية وتقطعها الشخصية لتكون بطلا بعد أن يؤثثها السارد بأعمال وصفات وأقوال. كانت غارقة بين الجرائد تراجع مقالها قبل أن تنزّله في جريدة "الأنوار" التونسية. سألتها عن "نوة" فأجابتني دون أن تحيد ببصرها عن شاشة الحاسوب: "التقينا ذات رواية، ترافقنا على امتداد 138 صفحة ثم افترقنا"، رفعت بصرها نحوي معتذرة وهي تغادر مكتبها: "عفوا عليّ أن ألتحق بالمطبعة... غدا يصدر العدد الجديد من الجريدة ، يجب أن أكون هناك"

أردت أن أسألها هل كانت تعرف "نوة" من قبل؟ هل التقتها ذات تحقيق صحفي؟... لكن يبدو أنني لن أظفر بجواب يروي غلتي، لذلك عدت إلى الرواية لألاحق "نوة"، هناك حيث الأماكن التي زارتها والشخوص الذين التقتهم والأعمال التي اقترفتها، هناك فقط يمكن أن أجد تفسيرا لهذه المنزلة التي احتلتها حتى صارت عنوانا يستلقي أمام بصري بطريقة تثير فضولي.

في الريف تظهر "نوة" طفلة فقيرة تعاني قسوة الحياة وقسوة أبيها وقسوة المعلّمة ثم نراها في المدينة حيث التقت بنوار الذي أحبته والتقت برجال آخرين لم تحبّهم وكان آخرهم "الغريب" الذي قضت معه أياما في بيته قبل أن تقتله بطريقة فظيعة ثم تعود إلى الريف حيث أخواتها العوانس وأمها شامة التي تحترق وهي تتدفأ  وتحترق معها نوة وهي تحاول إنقاذها. تنتهي المرحلة الأولى بقتل الأب الذي يفضي إلى طور ثان ينتهي بدوره بقتل الغريب وتنتهي الرواية بموت نوة، موتا طقوسيا وهي "تحتضن لمسات أمّها الناعمة" (ص 138)، موتا فيه اكتواء بلظى الحب انتقاما لأمومة مجروحة وأنوثة مغتصبة، في اتحاد بين الأم وابنتها.

تطالعنا نوة في بداية الرواية تلميذة صغيرة أنهكها الفقر والبرد ولكنها تفرح كسائر التلاميذ لأن المعلمة "عقيلة" تأخّرت ذلك اليوم وقد لا تأتي إلى المدرسة، ولكن عقيلة تأتي أخيرا لتبث الرعب في صفوف التلاميذ الصغار الخائفين وتبدأ حصتها بقولها: "لنبدأ" (ص 7) لا يفهم التلاميذ ما تعنيه المعلمة "وتسلل صوت نوة من الحنجرة الخائفة مرتعشا: نبدأ ... ماذا سيدتي؟" (ص8) فتقول المعلّمة غاضبة: "انظروا إنها تسألني ماذا نبدأ؟ هل يعقل لهذه الفاجر أن تتجرأ على سؤالي... انظروا أليست مشروعا فاجرا" (ص 9) ثم نرى عقيلة وهي تخلع ثيابها ثم تسقط عارية في ساحة المدرسة ويسحبها المدير ومن معه الى المكتب "ليظل ذلك اليوم في ذاكرة نوة فتيلا لم يتآكل في ذاكرتها" (ص 10)

 نوة هي الطفلة البريئة ترتاد المدرسة فإذا المعلمة تكيل لها الشتائم وتصدر عليها حكما قاسيا يخرجها من براءة الأطفال ويزجّ بها في عالم الرذيلة، لم تر فيها حلما جميلا وبشرى خير بل رأت فيها بذرة شر وفساد كأنها أصدرت حكمها وسطرت مستقبلها، سدت أمامها الأفق وحرمتها لذة تخيّل مستقبل مشرق. الواقع أليم والمدرسة كانت فضاء للعلم والمعرفة والحلم وثلاثتها منفذ للخروج من الواقع الرديء ولكن المعلمة سدت ذلك الأفق بنبوءتها وبحاضرها لأنها لم تكن تمثّل نموذجا قد تصبو إليه الطفلة.

فالمعلمة لم تر المعرفة ولم تقدسها، والمعرفة لم تحررها من الجسد،  لذلك تعرت، فضحها الجسد الذي كانت أسيرته، لم تكن معلمة بقدر ما كانت عانسا، والمعرفة التي تحملها لم تكن سلاحا. حملت هموم ذات أنهكها الجسد المحروم ولم تستطع أن تكتفي بذاتها وتنهض كيانا مستقلا شامخا يسمو به العلم والمعرفة، وجودها في ذلك الإطار وفي تلك البيئة الذكورية كان خطأ لأن مثلها عاجز عن تغيير ذلك الواقع لذلك جُنّت وتعرّت، كانت المعلمة عاجزة عن تحرير تلك الأرواح البريئة من قبضة المجتمع الذكوري القاسية. كان اسمها عقيلة ولكنها كانت فاقدة للعقل بل كانت كناية عن القيد وانتفاء الحرية.

وتطالعنا نوة طفلة صغيرة في البيت مع اخواتها وأمها شامة وأب أمعن في تعذيب زوجته وبناته حتى رمته نوة بحجر في عينه انتهى بموته بعد مدة أعور و"اخيرا رقد الأعور تحت اللحد" (ص 20).

نظر الأب إلى الجسد بعينين زائغتين حتى أنه لم ير في المرأة إلا الجسد، لذلك حدّت من نظره فطمست احدى عينيه لعله يرتدّ وينظر إلى عاهته، إلى نفسه، ولكنّه واصل غيّه ولم يشغله ذلك عن فحولته الواهمة فكان مآله أن تعفّنت العين التي لم يعالجها، بقي بعين واحدة يرى مأساته يوما بعد يوم ويتمعّن في عذاباته. 

تحركت البطلة في فضاءين: الأول هو البيت والثاني هو المدرسة. في البيت تعاني الأم من زوجها وفي المدرسة تعاني المعلمة من غياب الزوج. فالرجل يمثل مشكلا في الحالين في الحضور والغياب وهذا الاختلال تواكبه البطلة/ الفتاة وتستبطنه وتحاول إحداث التوازن فنراها في فضاء ثان هو المدينة تشبع رغبتها من الرجل/ الذكر. وهي فتاة الهوى، وتشبع روحها من خلال علاقتها بنوار المثقف كأنها تعوّض فقْد الأم لرقّة الزوج وفقْد المعلمة للزوج.

انتقلت نوة إلى المدينة بعد موت أبيها. وقد "غادرت إلى المدينة ترقدها الخالة زنيخة في عينيها" (ص 43) و لكن الخالة زنيخة امراة رهينة المجتمع الذكوري، تخضع لأخلاقه وعاداته وتقاليده، خلّصت نوة من الفقر ولكنها لم تطلق روحها، لم تحررها من ذكورية مقيتة تنتعش في الفقر والجهل ولكنها تمارس سلطتها في الرفاه والاستقرار أيضا، كانت الخالة زنيخة محاطة بالرجال الباحثين عن الجسد  ولم تواجههم، ولم تساعد نوّة على مواجهتهم بل أرادت حمايتها بطريقة سلبية، بإخفائها وإبعادها عن الأعين الشبقة ولكن نوة أرادت ارتياد أماكن أخرى، وأن توسّع رقعة وجودها، لذلك غادرتها نوة. والتقت بنوار "الرجل الذي أسكت أناتها، أكبر فيها الأنثى على نخب الإحساس النبيل ورعى ضيمها وهي تائهة في المدينة تجر غبار الأمس الأليم" ( ص 49) ولكنها التقت أيضا برجال آخرين رأوا فيها مصدرا للذة ومن بينهم "الغريب" الذي رآها مثل "عروس الحلوى" (ص 123) فاقتصت منه بأن قتلته شرّ قتلة. وبهذا الحدث تعود البطلة إلى الفضاء الأول، تعود إلى الريف حيث أخواتها وأمها التي تحترق وتحترق معها "نوة"

 أعلنت نوة رفضها للذكورة في بيئتها الأولى: الريف حيث البداية والبداوة وفي البيئة الثانية: المدينة حيث التطور والمدنيّة. رفضت نظرة الرجل القديمة إلى المرأة أي أن تكون مصدر متعة ولذة فقط ورفضت نظرة المرأة إلى ذاتها نظرة المستكينة الخاضعة أو الناقصة لا تكتمل إلا بالرجل.وأعلنت نفسها ذاتا مختلفة أليست هي التي كانت لديها القدرة على طرح السؤال بينما اكتفى الاخرون بالصمت خوفا من المعلّمة؟ أليست هي التي اقتصت من الأب الظالم بينما رضخت أمها واكتفت بالبكاء وصمتت أخواتها، ولكن نوة لم تصمت بل اقتصت لهن ولنفسها. هزمت نوة السلطة الأبوية والسلطة المعرفية وهي طفلة بريئة واجهت ببراءتها السلطتين فهزمتهما وفي مرحلة لاحقة انتقلت إلى فضاء أرحب، إلى المجتمع الفسيح فاقتصت من الغريب، من مجتمع ذكوري.إنها لم ترض بالسائد أو بالأحرى لم ترض بالخطإ حتى وان صار سائدا ومألوفا ولعل هذا ما يلحقها بالشخصيات التاريخية والأبطال الذين لم يقنعوا بالواقع وحاولوا تغييره.

كانت نوة تعرج نحو نهايتها وهي تمر من برزخ إلى برزخ من الأسرة المحكومة بسلطة أب ظالم والمدرسة التي تطرح درسا لا يفهمه التلميذ ولا يساعده على تجاوز وضعه البائس إلى مجتمع المدينة التي لم تملك من المدنية إلا ظاهرها فحافظت على عقل ذكوري بدائي وأخيرا تعرج إلى النهاية لتفارق رفقة أمها في مشهد طقوسي مطهر تاركة الأب والمعلمة و الغريب في برك من الوحل والدماء.

 نوة عنوان لرؤية جديدة للعلاقة بين الرجل والمرأة ولمجتمع جديد تخلّص من فحولته الوهمية. تذكرت الكاتبة وحيدة المي عندما زرتها في مكتبها تراءت لي والجرائد من حولها وهي تستقبل شاشة حاسوبها تراجع مقالا حول فساد الحكومة فترتسم ملامح نوة مع كل حرف ترقنه وقبل أن أغادر مكتب الجريدة كانت صورة نوة تملأ شاشة الحاسوب.

مراد الشابي

مرحبا بكم في مجالس الرّكن النيّر للإبداع

23-4-2020

Flag Counter

أصدقاء مجالس الرّكن النيّر

أبو أمين البجاوي إسماعيل هموني البشير المشرقي البو محفوظ العامريّة سعد الله الفاضل الكثيري أماني المبارك أميرة بن مبارك إيمان بن ابراهيم إيناس أصفري بدوي الجبل بسمة الصحراوي بشر شبيب جمال الدين بن خليفة جميلة القلعي جميلة بلطي عطوي حليمة بوعلاق خالد شوملي خير الدين الشابّي رائد محمد الحواري سعيدة باش طبجي سلوى البحري سليمان نحيلي سنيا مدوري سوف عبيد صابر الهزايمه صالح مورو صباح قدرية (صباح نور الصباح) صبيحة الوشتاتي صفيّة قم بن عبد الجليل عبد الأمير العبادي عبد الحكيم ربيعي عبد العزيز جويدة عبد الفتّاح الغربي عبد الله بن عيسى الموري عبد المجيد يوسف عدنان الغريري عزّ الدين الشّابّي عنان محروس غادة إبراهيم الحسيني فاطمة محمود سعدالله فردوس المذبوح فيروز يوسف فيصل الكردي كفاية عوجان لطفي السنوسي لطفي الشابّي لمياء العلوي لودي شمس الدّين ليلى الرحموني محمد القصاص محمّد الهادي الجزيري محمّد سلام جميعان محمّد صوالحة محمّد مامي محمّد مبروك برهومي محمد مبسوط مختار الماجري مراد الشابّي منى الفرجاني ميساء عوامرية ناصر رمضان ندى حطيط هندة السميراني وهيبة قويّة يوسف حسين