الاثنين، 6 سبتمبر 2021

إضاءات لغويّة ينيرها: عبد المجيد يوسف/ تونس - "أنْ"

إضاءات لغويّة

ينيرها: عبد المجيد يوسف/ تونس

أنْ

نجد في كتاب "جواهر الأدب في معرفة كلام العرب" لعلاء الدين الإربلي وفي "مغني اللبيب عن كتب الأعاريب" لابن هشام الأنصاري منسوبا إلى جمهور النحاة أنّ " أنْ" اسمٌ طورا وحرفٌ طور آخر.

فالإسم حسب هؤلاء ما دخل في تكوين ضمائر الخطاب، فهو بذلك جذر تُضاف إليه لواحق تخصّص جنسَ المخاطب وعدَدَه. وهذا معناه أنّ ضمائر الخطاب حسب وجهة النظر هذه مركّبة من جذر ولاحقة وليست بسيطة.

لكن هذه الرّؤية تثير إشكالا في مسألة العلاقة في بنية الضمير بين الإسم "أن" وبين اللواحق ت /ت /تما/ تم/ تنّ /هل هي علاقة إضافة؟ خاصة وأنّ النّحاة لم يبحثوا هذه العلاقة بل اكتفوا بالإشارة إلى الظاهرة دون بحث وضْعِها الإعرابيّ.

هذا الرأي لا طائل من ورائه وليس له من انعكاس سوى تعقيد المبحث النحوي ولا فائدة لا إعرابية ولا دلالية تنجرّ عنه.

أمّا الحرف فهو أن يكون موصولا حرفيا يوصل بالأفعال مضارعة كانت أو ماضية

- والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين (الشعراء 82)

- لولا أن تداركه نعمة من ربه (ن 49)

 

الوظيفة الإعرابية:

عمله الإعرابي هو نصب الفعل المضارع. فإن دخل على الماضي كفّ عمله لأنّ الماضي بطبعه مبني على الفتح:

- فلولا أن كنتم غير مدينين ترجعونها... (الواقعة 68)

وقد يلتحق بالأمر: أنْ أقم وجهك للدين حنيفا (يونس 105) فيكون لا عمل له لأنّ فعل الأمر بعدُ معمول. والحقيقة أنّ الحرف في الآية لا يعدو أن يكون موصولا حرفيا وظيفته تفسيرية.

ففي الآية السابقة:... وأمرت أن أكون أوّل المؤمنين(104) وأن أقم وجهك للدين حنيفا... الوصل جرى بين نص الآية وبين حديث محذوف (وقيل لي: أن أقم وجهك للدين حنيفا) وهو أسلوب شائع في القرآن. لكنّ النحاة اكتفوا بوصف خارجي للظاهرة فقالوا "التحق بفعل الأمر".

ويخلط ابن هشام في المغني بين الحرف أنْ وبين المركب الموصولي الذي يحدثه والذي صلته مركب إسنادي فيجعل الحرف الموصولي في محلّ رفع في قوله تعالى: (أن تصوموا خيرا لكم) والواقع أنّ كامل المركب الموصولي أي الحرف الموصول وصلته في محلّ الرفع على الابتداء.

 

الوظيفة الدلالية:

تفسير معنى سابق فأوحينا إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر (الشعراء 63) (تفسير مضمون الوحي) وهو ذات المعنى المشار إليه في المثال السابق.

 

الوظيفة الصرفية:

يؤوّل المركب الموصولي المكون من أنْ وصلته بالمصدر: يجوز أن يكون ما قيل حقا (المعري رسالة الغفران)

يجوز كوْنُ ما قيل حقا... لذلك قالوا "أن المصدرية"

 

وخلاصة كلّ هذا أنّنا ننفي أن يكون الحرف "أن" اسما ولا يعدو أن يكون في جميع أحواله حرفا موصولا وظيفته اللغوية التفسير ووظيفته النحوية الصلة والرّبط.

بقلم الباحث: عبد المجيد يوسف/ تونس

الاثنين، 30 أغسطس 2021

عن الجنون في الحضارة العربيّة، من خلال: نزهة الألبّاء في طبقات الأدباء للأنباري (2) ورقة من إعداد الباحث: عبد المجيد يوسف/ تونس

 

عن الجنون في الحضارة العربيّة،

من خلال: نزهة الألبّاء في طبقات الأدباء للأنباري

ورقة من إعداد الباحث: عبد المجيد يوسف/ تونس

الورقة الثانية

2/ كلام المجنون

لمّا سُئل أبو العباس المبرد عن سبب اختلافه إلى مواضع المجانين والمعالجين قال: "إنّ لهم طرائف من الكلام".

يعتبر جواب المبرد تثمينا لكلام المجنون. وهو بهذا الموقف إنّما يؤكد موقفا قديما ورد علينا من الإغريق، فقد تحدّث أفلاطون عن الجنونMania في المحاورة التي تحمل اسم "فادر"Phèdre فقابل بين الهذيان والاعتدال والسّيطرة على الذات... وجعل الهذيان متعاليا وسماويّا فقال: "إنّ أرقى الفضائل يأتي إلينا بواسطة الجنون الذي هو هبة إلهية" وقال: "إن نبيّات دلف Delphes (معبد تتلقّى فيه النبيّة تعاليم أبوللون) وراهبات دودون.Dodone  (معبد خاص بزيوس وللإلهة الأم ديوني) وهنّ يتخبطهنّ الجنون وهبن اليونان أعظم الأمور وأجملها سواء للأفراد أم للمجموعة". (انتهى النقل عن أفلاطون).

ويستفاد من خطاب المجنون الذي لقيه المبرد أنّه أبعد ما يكون عن الحمق والهذيان فهو من ناحية ذو بُنية منطقيّة سليمة لا خلل فيها، ثمّ إنّ كلامه فيه محمول معرفيّ بأهل الثقافة وبالشعر. قال وقد رأى معي محبرة: "معك آلة رجلين أرجو أن تكون أحدهما، تجالس أصحاب الحديث... أو الأدباء أصحاب النّحو والشعر؟" (نهاية النقل) وفي بعض مراحله ذو بنية حجاجية حين تعلّق الأمر بالجدال في نسب المبرّد...

ونستخلص من هذا أنّ كلام المجنون خضع للأنساق اللسانية القياسية للخطاب وفارق الوضع اللساني المعروف للهذيان بمخالفة سُنن التخاطب. فماذا يبرّر أن يصنّف هذا الشيخ مجنونا ويجبره على الإقامة بالمارستان؟

ها هنا قضية أخرى كان فوكو أثارها وليس لدينا في النّص المدروس مستند لمناقشتها وهي: من يعيّن المجنون؟ من له صلوحية تصنيف إنسانا ما مجنونا؟

وليس أقلّ استقامة من حديث مجنون المبرّد حديث مجنوب أبي بكر الأنباري. فهو يجادل في القرآن وتأويله وفي القراءات وفي اللغة.

وبهذا فإنّ الوضع اللساني لكلام الجنونين مفارق تماما لوضع الهذيان الذي يعتبره الفروديون فوضويا لا يخضع لا لبنية ولا لسُنّة من سنن التخاطب في حين يعتبره جاك لاكان ذا بنية، مهيكلا تماما مثل اللغة وله نسقه الخاصّ.

والسؤال الذي يطرح: لماذا شغف المبرد بكلام المجانين الذي هذه صفته وقد كان يجد شبيها به في مجالس اللغوين والأدباء؟

ربّما كان الدّافع -وقد تكرّرت زيارته لمواضع المجانين حسب سؤال المازني- أن يعثر على خطاب مفارق لما كان ينبغي أن يصدر عن مجنون من الهذيان والحمق. والغاية العميقة تبدو رغبة في اللعب والتّفكّه. وهناك وضعية شبيهة نعيشها ببراءة شديدة هي استماعنا إلى الأطفال الموهوبين الذين يصدر عنهم خطاب متعال على الخطاب الطفوليّ، خطاب متّسم بالمعرفة أو الحكمة التي لا ينبغي للطفل امتلاكها، فيثير فينا ذلك الاستغراب والغبطة. وإذن فقد كان للمبرد غاية لعبيّة Ludique متمثلة في الحصول على خطاب طريف أي مخالف للسّنن، وهذه عادة الناس مع المجانين. قال ميشال فوكو في محاضرته: "المجنون كما في المجتمعات البدائيّة ذو وضع متفرّد في مؤسّسات اللعب، ويجب أنْ نلاحظ أوّلا أنّ المجنون موضوعُ لعب، فالمجنون يُلعب به، يتخذ موضوع سخريّة (وهو) موضوع لعب وموضوع ضحك" (نهاية النقل عن فوكو).

وما حدث مع المبرّد أنّه هو الذي كان موضوع سخرية للمجنون، فقد جاوزه دون السلام عليه، فقد ورد في جواب المبرد: "دخلت يوما إليهم فمررت على شيخ منهم... فجاوزته إلى غيره، فقال: سبحان الله، أين السّلام؟ من المجنون؟ أنا أم أنت؟ فاستحييتُ منه فقلتُ: السّلام عليك ورحمة الله وبركاته. فقال: لو كنتَ ابتدأتَ لأوجبتَ علينا الرّدّ، على أنّنا نصرف سوءَ أدبك على أحسن جهاته من العذر، لأنّه كان يقال: للدّاخل على القوم دهشةٌ..." (انتهى النقل من جواب المبرّد) وهذا يتّفق تماما مع قول فوكو: "والأغرب من هذا أنّ المجنون يَتّخذ الآخرين موضوعَ لعب، ويتّخذ جِدّ العقل لعبا، إنّه يلعب بجدّ العقلاء ويتّخذه هُزُؤا" (انتهى النقل عنه).

وخلاصة القول فيما يخصّ ما ورد في كتاب أبي البركات الأنباري "نزهة الألبّاء" متعلّقا بالجنون أنّه في الحضارة العربية في القرن الثالث الهجري كان الجنون معترفا به مرضا يعالج وقد عزل المجانين في أمكنة خاصة بهم، لكن هذا الأمكنة كانت مفتوحة للعامة فالعزل كان ذا اتجاه واحد وعومل المجانين معاملة خاصة يُحبسون داخل هذه الفضاءات ويقيّدون.

ولسنا نعلم (انطلاقا من كتاب نزهة الألبّاء) من كان بيده تعيين المجنون ووضع تشخيص لحالة الجنون... ويظهر الجنون في اعتراء سلوك المجنونين غرابة، قال المبرد وقد تعرّف المجنون على هويته استخلاصا من طرح الأسئلة عليه: "أنت المبرد أنت المبرد، وجعل يصفق وقد انقلبت عينه وتغيّرت حليته...فبادرتُ مسرعا خوف أن تبدر لي منه بادرة ونجوت ...منه" (انتهى النقل من قول المبرد) وفي سلوك المجنون الثاني تمثل السلوك الغريب انغماسه في النّجاسة.

بيد أنّ كلّ هذا يخالف تماما ما دأب عليه المجانين من الهذيان الخارق لسنن التخاطب، فكان كلام المجنونين منسجما ذا بُنى منطقية، خائضا في أعقد المسائل المعرفية وفي المعارف السّائدة في العصر كاللغة والشعر والأنساب.

الباحث: عبد المجيد يوسف/ تونس

للاطّلاع على الورقة الأولى (الرابط) اضغط هنا

مرحبا بكم في مجالس الرّكن النيّر للإبداع

23-4-2020

Flag Counter

أصدقاء مجالس الرّكن النيّر

أبو أمين البجاوي إسماعيل هموني البشير المشرقي البو محفوظ العامريّة سعد الله الفاضل الكثيري أماني المبارك أميرة بن مبارك إيمان بن ابراهيم إيناس أصفري بدوي الجبل بسمة الصحراوي بشر شبيب جمال الدين بن خليفة جميلة القلعي جميلة بلطي عطوي حليمة بوعلاق خالد شوملي خير الدين الشابّي رائد محمد الحواري سعيدة باش طبجي سلوى البحري سليمان نحيلي سنيا مدوري سوف عبيد صابر الهزايمه صالح مورو صباح قدرية (صباح نور الصباح) صبيحة الوشتاتي صفيّة قم بن عبد الجليل عبد الأمير العبادي عبد الحكيم ربيعي عبد العزيز جويدة عبد الفتّاح الغربي عبد الله بن عيسى الموري عبد المجيد يوسف عدنان الغريري عزّ الدين الشّابّي عنان محروس غادة إبراهيم الحسيني فاطمة محمود سعدالله فردوس المذبوح فيروز يوسف فيصل الكردي كفاية عوجان لطفي السنوسي لطفي الشابّي لمياء العلوي لودي شمس الدّين ليلى الرحموني محمد القصاص محمّد الهادي الجزيري محمّد سلام جميعان محمّد صوالحة محمّد مامي محمّد مبروك برهومي محمد مبسوط مختار الماجري مراد الشابّي منى الفرجاني ميساء عوامرية ناصر رمضان ندى حطيط هندة السميراني وهيبة قويّة يوسف حسين