الثلاثاء، 13 يونيو 2023

"وقائع حارة الزعفراني" لجمال الغيطاني رواية الحدث الواحد رغم الإيهام بالتعدّد،،، مختار الماجري/ تونس

الأستاذ: مختار الماجري/ تونس
 

"وقائع حارة الزعفراني" لجمال الغيطاني

رواية الحدث الواحد رغم الإيهام بالتعدّد

إنّ الكتابات الروائية الحديثة النازعة إلى التحضّر، كتابات مغامِرة تنحو منحى التعدّد، وفي نهجها ذاك تقطع مع المعتاد في الكتابة الروائية مبنى ومعنى وبصفة خاصة على مستوى البنية المشكّلة للرواية وأعني بها بنية السرد خصوصا.

يُعَدّ الإيهام بالتعدد من الخصائص الأسلوبية المميزة في الرواية العربية الحديثة، ويعني إيصال المؤلف لمعانٍ متعددة للكلمات والجمل بمعنى واحد. ويتم ذلك عن طريق استخدام تقنية اللفظ بالمعنى المجازي، أو تشكيل الجمل بطريقة ملتبسة أو غامضة تفتح المجال لتفسيرات مختلفة.

ويتمثل الإيهام بالتعدد في الرواية العربية الحديثة في استخدام الأساليب اللغوية والأدبية المختلفة مثل التشبيه والاستعارة والمجاز والاستدراك، وغيرها من الأساليب التي تساعد على تحقيق هذا الغرض. ويهدف الإيهام بالتعدد إلى إثراء المعنى وتعميقه، وترك الباب مفتوحاً لتفسيرات متعددة، ما يجعل القارئ يتفاعل مع النص ويستمتع بالتأمل والتفكير في معانيه المختلفة. غير أنّ هذه الروايات المتجاوزة للمألوف في مختلف أنساقها نجدها – بعد قراءة متأنية – تقتضي دقّة في النظر، فهي توهم المتلقّي – من خلال قراءته الأولى- بالتعدّد في جل منعطفاتها ومواطن تأسيسها. لكنّ الثّلَجَ في أمرها هو وحدة الواحد المختفي وراء المتعدّد المختلف، وفي صلب هذا التوجّه الروائي تُطالعنا رواية "وقائع حارة الزعفراني" للروائي المصري جمال الغيطاني المنتمي إلى تيار التجريبيين في عالم الرواية. وقد كتب الرواية المذكورة في بداية السبعينات (1973) مصوّرا فيها موقفه من العالم عموما والعالم العربي خصوصا والعالم الأدبي بصفة أخصّ، فكانت رواية الواحد المسكون بالتعدّد.

فكيف تبدو رواية «وقائع حارة الزعفراني» لجمال الغيطاني، رواية الحدث الواحد الموهم بالتعدّد؟ بصيغة أخرى، أين تتجلّى الفرادة الموهمة بنقيضها في الرواية المذكورة؟

أُلّفت الرواية عام 1973 أي في مرحلة ما بعد الناصريّة مباشرة، تلك المرحلة التي شهدت هزّات سياسية واجتماعية عنيفة أفضت إلى تفكك المجتمع العربي والأفراد وانعكست على مختلف البنى فأفضت إلى نثرية العلاقات الاجتماعية.

    ولئن بدت الرواية خارجة عن سياقها التاريخي والمجتمعي فإنّ الروائي حريص على جعلها شاهدا على تلك الأوضاع أو تلك المرحلة الزمنية المخصوصة لا سيما وأنّ الغيطاني صرّح باهتمامه "المبكّر، منذ فترة بعيدة، بالتاريخ"، فهو يعود إلى التاريخ ويعتمده من مراجع الكتابة الروائية ليحوّله إلى دلالة رامزة فيما يكتبه، فهو لا يستنسخ الحادثة التاريخية وإنما يُحييها لتتضمّن الواقع المعيش الراهن.

     وللحديث عن مظاهر الفرادة الموهمة بالتعدد في " وقائع حارة الزعفراني" لا بدّ من التساؤل عن بنية الرواية المذكورة؟ ونستهل الإجابة عن هذا السؤال بالنظر في العناوين أوّلا لأنها تساعدنا على تمثّل نسيج الرواية العام. فالعنوان الرئيسي "وقائع حارة الزعفراني"؛ نحن إزاء ثلاث معطيات: "وقائع" – "حارة" – "الزعفراني". فلِمَ هذه المعطيات بالذات دون سواها من المرادفات؟ وما هي دلالاتها وأبعادها؟ بصيغة أخرى: لِمَ لَمْ يقل بدل "وقائع" أحداث أو أخبار؟ ثمّ هل إنّ الحارة تمثّل المكان في هذه الرواية الذي يستقطب الشخصيات والأحداث ويسِم خصوصية البناء الروائي؟ و "الزعفراني" هل هو مكان محدّد في القاهرة أم هو من نسيج المتخيّل الروائي؟

      لو نظرنا في التعريف اللغوي لكلمة "الوقائع" نجدها لا تخرج عن حيّز المصائب والحروب، وقد عرّفها ابن منظور في "لسان العرب" حيث تناول الجذر الثلاثي للكلمة "وَقَعَ" ومنها الواقعة التي عرّفها بالداهية أو النازلة وهي كذلك القيامة واستدلّ بالقرآن «إذا وقعت الواقعة ليس لوقعتها كاذبة»، ومنها " الوقيعةُ والوَقْعَة’: الحرب والقتال وقيل المعركة، الجمع: وقائع. ووقائع العرب: أيام حروبهم"². أمّا "حارة الزعفراني" فهو تركيب إضافي يُعرّفُ فيه المضاف عن طريق المضاف إليه، أي تُعرّفُ الحارة بالزعفراني.

ويختزل لفظ "حارة" دلالات مختلفة:

*دلالة المكان: وما فيه من تفاصيل الحياة اليومية.

*دلالة المجتمع: فالحارة حيّ، مجمع سكنيّ، تساكُن ٌ وتجاورٌ: مجموع صلات بشرية.

*دلالة التاريخ: فالحارة تركيب معماري يجسّم تاريخا قديما أو حادثا.

*دلالة الوجود: وذلك في مواصلة الحياة عن طريق توارث الأبناء الحياة عن الآباء.

إضافة إلى هذه الدلالات نجد علامات كثيرة في النص تؤكّد أنّ "حارة الزعفراني" كائنة في القاهرة.

    أما العناوين الفرعية فتمثل نسيج الرواية عامة، والرواية ملفات، والملف يحيل على عديد السياقات. إذ نجد مثلا ملفا إداريا وآخر صحافيا، ومثل هذه الملفات لا تهمنا بقدر ما يهمنا الملف البوليسي، إذ كلمة ملف كما وضعها جمال الغيطاني تعني في مستوى أوّل ما يحيل على دلالة الملف البوليسي ويظهر ذلك في الترقيم وفي التفصيل أحيانا وفي الإيجاز أخرى والتجميع أيضا (تجميع الأخبار). وهي ملفات أربعة يبدأ أولها بتعريف الشخصيات الأساسية في حارة الزعفراني و "معلومات مستقاة عنها من مصادر شديدة العلم بما يجري في الحارة"² أما الملف الثاني فهو ينطلق من الأحداث -على عكس الملف الأوّل الذي انطلق من الأسماء- وكذلك الملف الثالث والرابع وكلاهما مواصلة للملف الثاني، أي مواصلة للأحداث التي جرت يوم الجمعة وأيام تالية لذلك اليوم³ وتضم هذه الملفات بعض المشاجرات و الأحداث التي وقعت في الزعفراني و خاصة في الملف الرابع وهو ملحق للملف الثالث إذ فيه ما يدل على الوقائع من مشاجرات عديدة أغلبها مشاجرات نساء لانتشار المرض (العُنّة) و اختلال التوازن النفسي.

        وحريّ بنا في هذا المبحث أن نعود إلى الإجابة عن السؤال المركزي حول مظاهر الفرادة الموهمة بالتعدد، فالرواية واحدة والحال أنّ عنوانها يحمل في ذاته التعدّد (وقائع)، كما أنّ الرواية حاملة للغز واحد أو ما يشبه اللغز على حين تتجمّع حوله وحدات سردية عديدة، أي في الرواية وضع إشكالي واحد وهو الحدث الأساسي: العنّة بينما المظاهر الدالة عليه متعددة. إنّ نظام السرد في الرواية نقطة واحدة غير أنها تتكاثر حدثيّا لتظلّ مشدودة إلى موقع واحد الذي هو موقع حابس وحبيس معا. فالرواية توهم بالانفتاح صوب زمن مستقبلي إلاّ أنها لا تخترق حدود ذاتها، وكذلك السرد يبدو مفكّكا في الاتجاهين: ما قبل السرد وما بعده بينما هو رهين لحظة واحدة هي الآن. أمّا الزمن في الرواية فيختصر الماضي وينفي المستقبل في الظاهر ويؤدي إلى مستقبل مجرّد لا وجود فيه للحركة ولتمثّل الأشياء والتفاصيل، إذ يوهم بانفتاح الأفق ولا أفق. كما نلاحظ أنّ بنية الأحداث في الرواية تمثّل انغلاقا داخل اللحظة المترسّبة على حين أومأ السارد إلى أزمنة متلاحقة، ولا ننسى التتابع الموحي بالتعدّد ويتجلّى في تعاقب الأحداث الفرعية (1949 – 1954 – 1964) في مدار الحدث الواحد المركزي (العُنّة)، هذا التتابع نجده في ملف خاص "الثورة". كما أنّ النصّ يرد في تقارير والحال أنّ الكاتب واحد، والموضوع لا يخرج عن حيّز حارة الزعفراني، والزمن يبقى الماضي. هذا وإنّ تقنيات الرجوع إلى الماضي عديدة بيد أنّ هذه الوحدات الاستطرادية لا يمكن قراءتها خارج نمط التطوّر العام. ويُلاحظُ أنّ العناوين كثيرة على امتداد النص ولكن كلها تتصل بحدث واحد: العنّة، وكذلك الأساليب: تضخيم الحرف كتابيّا، استخدام الترقيم (3،2،1....) أو الترتيب الأبجدي (أ، ب، ج..) أو التنقيط، كل هذا التنوّع والحدث واحد. ولعلّ التعدّد الجدير بالذكر في هذه الرواية هو تعدّد الأجناس الأدبية داخل هذا الأثر الواحد، حيث نجد القصّة والنادرة والحدث اليومي والمذكرات والشعر، وهذا التعدّد في تركيب الخطاب الروائي يعني التداخل بين نصوص مختلفة ضمن بناء واحد.

        إنّ "وقائع حارة الزعفراني" رواية الانحباس داخل الحدث الواحد وهي وإن تضمّنت عديد التفاصيل والأحداث الجزئية لم تقدر على تجاوز ذاتها بفكّ الطوق الذي لازمها طيلة مسار السرد، هي رواية التوتّر ممثّلا في تكاثر الأحداث داخل موقع واحد.

إنّ الرواية وإن حملت أزمة مجتمع وفاجعة تاريخ فإنها تخطّط لكتابة جديدة يظهر ذلك في مستوى التشكيل الفنّي، وهي وإن بدت لنا رواية الهزيمة والانحباس داخل الموقع الواحد والوضعية الجامدة فإنها تحمل تاريخا ممكنا ومجتمعا بديلا، فرمّانة الساسي لم يُهلك تماما، وتمرّد المجموعة ممكن، والاعتقاد في الشيخ قد يضمحلّ، والنقيض يولد نقيضه. ذلك هو الحلم وإن غيّب وراء ضخامة الفاجعة فإنّه الاستحالة الممكنة في تاريخ مستقبلي.

مختار الماجري/ تونس

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

  الهوامش

  1- لسان العرب - ابن منظور - ج 8 - الصفحة 403

2- وقائع حارة الزعفراني، الطبعة الثانية، مايو 1985 مطبعة مدبولي ص 6

3- المصدر السابق ص 57

الاثنين، 12 يونيو 2023

صمت ثرثار،،، كفاية عوجان/ الأردن

الأديبة: كفاية عوجان/ الأردن

صمت ثرثار

بصمت عميق تتأمّل ما فات وتسخر ممّا هو قادم، فالقدر محتوم. وكما تقول دائماً: لا فكاك

منه ولا مهرب..

تطرد ظلال العتمة من حولك وتمضي في رهانك على حياة. يغشانا الضباب،

ويجبرنا الزّمان أن نعيش في الأحداث بحلوها ومُرِّها مرّتين... مرَّة حين وقوعها والأخرى

حين تحييها ذاكرتنا، فينهار الصّمت الساكن فيها.

تفتح نافدتك الّتي تطلّ على جدار يحجب عنك الفضاء الّذي تعشق، فلا يصلك منه إلاّ بقايا

ضوء شمس بعيدة ...

تتنهّد وتعيد شريط الذّكريات من جديد... مرح الأطفال وأحاديث الكبار... صوت الموسيقى

والأغنيات، روائح الأشجار رائحة التّراب المبلّل بقطرات المطر، وصرخات تدوّي

بتكبيرات العيد،

أصداء ترتدُّ من عمق الذّكريات، وصور تتطاير من هنا وهناك. لا شيء يحتفظ بسكونه إلاّ

تلك الجدران الّتي يسري البرد في ضلوعها فأفقدها البريق والنضارة، جدران باردة باهتة

لا تصل إليها أضواء السّماء ...

 تشرق الشّمس في كلّ يوم وترحل دون أن تدنو منها ولو قليلاً..

العتمة تحضن أرجاء البيت المسكين، تحاول جاهداً أن تشعل كلّ الأضواء والمصابيح الّتي

سرعان ما تخطف العتمة نورها، شيئاً فشيئاً يخفت ضوؤها ثمّ تنطفئ. تبدّل المصابيح

باستمرار،

 ولا ضوء يشبه ضوء النّهار ...

تنهار عليك سحب صامتة لم تعد تأبه لأشكالها أو ألوانها، تسكنك فيغشاك الضّباب

وتستعذب روحك سلام الأموات الّذي تحياه، وتتحوّل إلى شيء ثابت يحمل شكل الحياة

ويراقبها من بعيد، لا قدرة له على التّغيير أو الاعتراض، مستسلما ترفع رايتك البيضاء..

 سلام زائف مؤقت، فالحياة لن تكتفي بما أنت به من هدوء، بل ستقحمك في تحدّيات تتطلّب

منك أن تثور وتنتصر لنفسك قليلاً، ثمّ تعود لتئنَّ وجعاً من جديد، تلملم جراحك وتجرجر

خيبتك، وتستسلم لعجز جديد وتتوه في بحر من الأفكار.

كفاية عوجان /الأردن

مرحبا بكم في مجالس الرّكن النيّر للإبداع

23-4-2020

Flag Counter

أصدقاء مجالس الرّكن النيّر

أبو أمين البجاوي إسماعيل هموني البشير المشرقي البو محفوظ العامريّة سعد الله الفاضل الكثيري أماني المبارك أميرة بن مبارك إيمان بن ابراهيم إيناس أصفري بدوي الجبل بسمة الصحراوي بشر شبيب جمال الدين بن خليفة جميلة القلعي جميلة بلطي عطوي حليمة بوعلاق خالد شوملي خير الدين الشابّي رائد محمد الحواري سعيدة باش طبجي سلوى البحري سليمان نحيلي سنيا مدوري سوف عبيد صابر الهزايمه صالح مورو صباح قدرية (صباح نور الصباح) صبيحة الوشتاتي صفيّة قم بن عبد الجليل عبد الأمير العبادي عبد الحكيم ربيعي عبد العزيز جويدة عبد الفتّاح الغربي عبد الله بن عيسى الموري عبد المجيد يوسف عدنان الغريري عزّ الدين الشّابّي عنان محروس غادة إبراهيم الحسيني فاطمة محمود سعدالله فردوس المذبوح فيروز يوسف فيصل الكردي كفاية عوجان لطفي السنوسي لطفي الشابّي لمياء العلوي لودي شمس الدّين ليلى الرحموني محمد القصاص محمّد الهادي الجزيري محمّد سلام جميعان محمّد صوالحة محمّد مامي محمّد مبروك برهومي محمد مبسوط مختار الماجري مراد الشابّي منى الفرجاني ميساء عوامرية ناصر رمضان ندى حطيط هندة السميراني وهيبة قويّة يوسف حسين