حوار مع الشاعر والناقد المصري ناصر رمضان عبد الحميد، حاوره جمال عابد/ العراق
|
الشاعر والناقد ناصر رمضان/ مصر، ومحاوره جمال عابد العراق |
1_ الاسم:
ناصر رمضان عبد الحميد حسين
مواليد :
21/7/1975
العمل:
وزارة الأوقاف
الحالة
الاجتماعيّة: متزوّج من السيّدة أزهار جبار هاشم.
2 _ الإنسان
يتطلّب أولًا تعريف الإنسان.
فالإنسان
كائن حيّ مفكّر يتحمّل المسؤوليّة ويتفاعل مع الحياة يفيدها وله تفيد، يتنفّس الحرّية
ويسعى للتعمير، فيه من الشيطان والملاك، وما بين بين كليهما يحيا فلا يحور ولا
يجور.
من هنا
أقول: إنّ ناصر إنسان بسيط متواضع مسالم، لا يحبّ الدّخول في صراعات ولا حروب على
وظائف أو مناصب أو أماكن تدرّ عليه مالًا بطرق غير مشروعة،
يحبّ
الحياة والناس.
3 _ أقضي
معظم وقتي بين ثلاثة أشياء :
القراءة
والكتابة وممارسة الرياضة،
والذين
يعرفوني عن قرب يفهمون طبيعتي فأنا رياضي وأهتمّ بكلّ ما هو رياضي حدّ الجنون، ولا
أضيع وقتي على المقاهي أو فيما لا يفيد، ربّما هذا مختلفٌ عن عالم أهل الشّعر والثّقافة،
لكن اسمح لي أن أقول: إنّ المثقّف الّذي لا يحافظ على صحّته لا يعدّ مثقّفًا
ببساطة وبدون تعقيد، لأنّ غاية الثقافة والعلم والبحث والمال الحفاظ على صحّة
الإنسان وإبقائه أطول فترة ممكنة على سطح الأرض متمتّعًا بالرفاهية والنّعم الّتي
أنعم اللّه بها عليه، وبدون صحّة وعافية لا حياة.
4 _ بدأت
موهبتي في الشعر منذ الصّغر، بحكم دراستي في الأزهر، فالأزهر يكثّف اللّغة والأدب
والنصوص والبلاغة، ومَن لديه الموهبة يصادق أو يصادف الموهبة، شريطة أن يكون لديه
استعداد ومثابرة،
وأذكر أنّه
كانت مُقرّرةً علينا نصوص للمتنبّي والبحتري وشوقي وأحمد محرم، وكنت أحفظ أكثر ممّا
يُطلب منّي حبّاً في الشعر، ناهيك عن تدريس العروض كمادّة، ومازلت أحتفظ بكتاب
العروض واسمه اللّباب في العروض والقافية لكامل السيد شاهين وكنت أحفظه كحفظي
لآيات الذكر الحكيم.
5 _ مصادر
إلهامي الشعريّ كثيرة :
على رأسها
المرأة، فالمرأة هي الملهمة الحقيقيّة لي، ومعظم أشعاري تدور في فلكها وكوكبها
الوثير.
الشعر
والمرأة صنوان فكلاهما وجدان وعنفوان وكلاهما نغم وموسيقى تبعث على التحليق في
عالم الجمال والحبّ، ولحواء خلق الحبّ ومعها وبها ولها يشتعل وينمو، كذلك الوطن
بهمومه وأحلامه وتقدّمه وإخفاقه، فالشاعر ابنٌ بارٌّ للوطن يُصلح ويبني ولا يهدم،
وبالكلمة يسعى لنبذ التفرقة والتطرّف والإقصاء.
يسعى إلى
الحقّ والعدل والجمال، يحمل قضايا الوطن ويضع الحلول استشرافًا وحلمًا بمدينةٍ
فاضلةٍ يحيا فيها الجميع بالحبّ والعطاء والتّضحية.
هو صوت
المحرومين والكادحين والمهمّشين،
وأخيرًا
الأطفال، فالأطفال استطاعوا أن يكونوا مصدرًا أساسيًا في إبداعي منذ ديواني الأوّل
ترانيم روح،
بالمعنى
الإصطلاحي أنا لستُ كاتبًا للأطفال، وإنّما قصدتُ أنّهم ألهموني فكتبتُ لهم وعنهم.
6 _ أمّا
عن طقوسي في الكتابة، فليس لي طقوس بالمعنى المتعارف عليه، ولكن أحبّ أن أكتب وقت
السّحر حيث لا أصوات ولا ضجيج فالكون سكون والنّفس مُحلّقة، أمّا كتابةُ ما ليسَ
شعرًا فلا أستطيع إلاّ أن أكتب وسط مكتبتي، إذ أنّ النّظر إلى الكتب تساعد على
الكتابة والإلهام بحكم الجوار.
أمّا
الكتابة وقت اللّيل فأحبّها وأحبّ اللّيل، فالرّوح صافية تطير بلا جناح حيث لا
حدود ولا قيود، فاللّيل هو سريان الرّوح والبوح وفيه الصعود.
(سبحان
الذي أسرى بعبده ليلًا)
فاللّيل هو
الحضن الدافئ لكلّ شاعر وساجد،
لكن
للحقيقة حاولت أن أكسر هذا النّمط محافظة على صحّتي لأنّ النّوم ليلًا ضروري للجسد
ووقت للراحة، ولم أعد أسهر لأكثر من منتصف اللّيل.
أمّا عن
اللّيل كوحي للشعراء، فهو من باب التعوّد وربّما لأنّ فيه سكون وواحة وراحة للنّفس
والعزف؛ لكن للحقيقة السّهر مدمّر والنّوم نهارًا يكسب الإنسان الكسل وكرياضي تغلّبت
على ذلك، واستطعت التوازن والجمع بين الإبداع وقلّة السهر.
7 _ الغموض
في الشعر مدمّر، لكنّ المجاز والرّمزيّة غير المغرقة هي الأساس، والمباشرة في
الشعر أيضًا مدمّرة، فالنّصّ يحتاج الإدهاش ويحتاج صورة تبعث على الجمال، واللّغة
ألفاظ والألفاظ معانٍ والمعاني فكر وإحساس ومشاعر تسري في النّصّ سريان الماء في
العود حتّى يخضوضر ويزهر.
فالغموض
يجعل المستمع في حالة توهان وشرود والبحث عن تفسير، وهذا يُذهب جمال النّصّ ويصبح
بعيدًا عن التلقّي، وهو سبب من أسباب هجر النّاس للشّعر وأصبحت النّدوات بدون
جمهور إلّا فيما ندر، وفي عصر الصورة والميديا الإعلامية وعصر الوسائط عزف الناس
عن الشعر، فكان واجبًا على الشعراء أن يبحثوا عن طريق لعودة الجمهور إلى الشعر
بدلًا من الغموض الّذي زاد التعقيد والبعد.
8 _ الشاعر
المفضّل لدي هو المتنبّي مذ كنت أحفظ نصوصه بمراحل التعليم المختلفة، ولإعجابي
بالمتنبّي أحتفظ بأكثر من نسخة من ديوانه، بداية من تحقيق عبد الوهاب عزام، وشرح
العبكري واليازجي وشرح دكتور خفاقي وأخيرًا حصلت على شرح المعرّي المسمّى معجز
أحمد تحقيق د. عبد الحميد دياب طبع سلسلة التراث بالهيئة العامّة للكتاب، كما
شدّني شوقي أمير الشعراء وأحفظ معظم ديوانه وأحتفظ أيضا في مكتبتي بأكثر من طبعة
بداية من طبع مكتبة مصر مرورًا بطبعة المجلس الأعلى للثقافة وطبعة مكتبة الآداب
بتحقيق صديقي محمد فوزي، واطّلعت على تحقيق د. علي عبد المنعم ط لونجمان كما اطلعت
على تحقيق د. الحوفي ط مكتبة نهضة مصر ومن حبّي لشوقي أحتفظ كذلك بأكثر من كتاب
عنه أوّلها كتاب شوقي ضيف.
شوقي شاعر
العصر الحديث، ومعارضات شوقي للدكتور الطرابلسي وأيضًا نزار ومحمود درويش وعمر أبو
ريشة والجواهري والسياب وصلاح عبد الصبور ومحمود حسن إسماعيل وهناك شاعر مصري عثرت
عليه مبكرًا لكن لم ينل حظّه من الشّهرة الشاعر محمد عبد الرحمن صان الدين.
أمّا
الشاعرات فهناك من مصر روحيه القليني ونور نافع ونوال مهني وجليلة رضا وسامية عبد
السلام وشريفة السيّد ومن لبنان يسرا البيطار ومن العراق نازك الملائكة وبشرى
البستاني ومن سوريا ناهدة شبيب وقمر صبري جاسم، ومن السودان روضة الحاج ومن الكويت
سعاد الصباح ومن شاعرات النثر المعاصرات فاطمة بوهوكراه من المغرب وفاطمة ناعوت من
مصر ومن الإمارات أسماء صقر القاسمي ومن سوريا غادة فؤاد السمان وإيناس أصفري من
سوريا الّتي تجرّأت ونشرت كتابًا عن نموذج شعري وافد جديد يسمى شعر الهايكو،
وكثيراتٌ غيرهنّ.
ومن الجدير
بالذّكر أنّ لديّ كتابا تحت الطبع بعنوان شاعراتٌ عرفتهنّ أترجم فيه لأكثر من مائة
شاعرة من الوطن العربي.
9 _ الشعرُ
لا يُورَّث :
الشّعر
موهبة تثقل وتنمو بالثّقافة والاحتكاك والمطالعة، ولو كان وراثة لأصبح أبناء أحمد
شوقي شعراء.
أذكر أنّي
كنت أحضر ندوة بالمعصرة بحلوان يقيمها أحمد شوقي الجرنوسي على شرف الشاعر الراحل
خالد الجرنوسي وكان الشاعر الجرنوسي أسماه أحمد شوقي تيمنًا أن يكون شاعرًا كأمير
الشعراء لكنّه لم يكن أبدًا بشاعر.
والموهبة
تحتاج إلى علم والشّعر علم من حيث الوزن والقافية وطريقة النّظم، لكنّ الشعر كشعر
أقوى وأوسع من حصره في قالب، وهذا معروف لدى أهل الفنّ والشعراء ومذكور في مظانّه.
10 _ نوع
الشّعر المفضل لدي هو شعر التفعيلة، كشعر صلاح عبد الصبور وحجازي ودرويش وسميح
القاسم، وأميل إلى الموسيقى في الشّعر وأن يكون النّصّ غضًّا مرفرفًا يحمل قضيّة
ويترك طيفًا لديّ عند سماعه وأُغنّيه بسلاسة ويسر. فشعر أمل دنقل يحمل قضيّة دافع
عنها حتّى آخر يوم بحياته وهذا سرّ بقائه، والّذي يقرأ أمل دنقل يجد قضيّة العرب
والعروبة ونهضتهم ورفض الخنوع والاستسلام، واستدعاء التراث لديه واضح، استدعاء
للبناء والوحدة لا استدعاء للماضوية والبكاء عل الأطلال.
11 _ كلمتي
لجيل الشعراء وخاصّة الشباب:
عليكم
بالمعرفة والثّقافة لأنّي لاحظت أنّ معظم جيل الشّعراء مهلهلٌ ثقافيًا حتّى ولو
أتقن العروض والنّظم، وهو ما دفعني لإعداد كتابي قيد الطبع الشاعر مُثقّفًا،
وأوّل
الثقافة التبحّر في اللّغة، واللّغة بقدر حبّك لها تحبّك وبقدر ما تعطيتها تعطيك،
واللّغة ليست نحوًا وصرفًا فقط وإنّما النّحو يُستبطن، وإنّما اللّغة معاني وسياق
ودلالات وتراكيب ومجاز وبلاغة عالية، وأذكر أنّ محمود درويش كان يقرأ يوميًا صفحة
من معجم لسان العرب ويناقش فيها الأصدقاء، وأمير الشعراء شوقي كان يحفظ لسان
العرب، وكذلك أطلب من الشّباب التبحّر في التراث مع عدم تقديسه وإنّما اصطحابًا
يكمل الغذاء ويساعد على السير. وأنصح الشباب بقراءة كتاب كيفيّة التّعامل مع
التراث للد. رمضان عبد التواب، وكتاب استدعاء التراث لعلي عشري زايد، وكذلك أنصحهم
بقراءة شعر شوقي والبارودي وحافظ، لأنّ القاعدة إنّما (جعل الكلام من الكلام) وحكى
لي الشاعر شوقي أبو ناجي حين سمعني بنقابة الصحفيين -ندوة الورداني ناصف- وكنت
شابًا، قال لي: احفظ أكثر واقرأ أكثر وستصبح شاعرًا لأنّ الموهبة موجودة، رغم أنّني
كنت أحفظ آلاف من أبيات الشعر.
12 _ مَن
لهُ كلّ الفضل عليّ عمّي الشاعر:
محمد أحمد
عطية حجازي وكان مدرّسًا للّغة الإنجليزيّة وعاش معظم حياته بين الخليج وبريطانيا
وكان مؤلف كتاب القصّة في فترة الثمانينات المقرّر على الثانوية العامّة، وكانت أمّه
جدّتي (أخت جدّتي لأبي) ولمّا استقرّ به المقام بالفيوم لازمته وقرّبني واصطفاني
وأهداني الكثير من كتب الشعر والمجلاّت كالعربي الكويتي والمجلّة العربية، وهو أوّل
من دلّني على شراء كتب مكتبة الأسرة الّتي كانت تشرف عليها سوزان مبارك،
وأهداني
بعض دوواين الشعراء كنزار وديوان المتنبّي وديوان عزيز أباظة والهمشري وولي الدين
يكن وإيليا أبو ماضي وغيرها كثير، وكنّا نتحدّث عن الشعر ليلًا نهارًا، وكان
يصحبني معه للنّدوات وكان محبوبًا وله حضور وكلّ من تعلّم اللّغة الإنجليزيّة في
المحافظة تخرج من تحت يديه مدرّسًا للغة الإنجليزيّة، وكان يجيد الإنجليزيّة كأهلها،
والعجيب أنّي ضعيف باللّغة الإنجليزيّة لأنّه اهتمّ بي شاعرًا أكثر من اهتمامه
بتعليمي اللّغة الإنجليزيّة، وكنّا نقرأ معًا ترجمات شكسبير لعنان وكان يقرأها
بالعربي ثمّ يتحرّك في الغرفة وهو يقرأها بالإنجليزيّة بصوت مبهر وأداء مسرحي ممّا
جعلني أقتني معظم روايات شكسبير .
ونشر في
حياته مجموعة دواوين منها: محبوبتي لا تعبد الشيطان، ولا إرهاب ط مدبولى، وحاولت
بعد وفاته عام ٢٠٠٠ ألفين أن أترجم له بمعجم البابطين عن طريق الشاعر عبد الرازق
الغول صاحب ديوان وجيب القلب وكان يعمل بالبابطين وأعطيته سيرة ذاتية وديوان لا
إرهاب، ووعدني أنّه سيكون بالمعجم وأنّه أخذ موافقة اللّجنة، لكنّ عبد الرزاق
الغول توفّي وبعد وفاته صدر المعجم وأخبرني الشاعر محمد علي عبد العال أنّ اسمه
ليس موجودًا ممّا استدعاني أن أطّلع بنفسي على المعجم لكن لم أجده.
13 _ بدأت
كتابة الشعر في المرحلة الثانويّة وكنت أعرضه على عمّي وكان يشجّعني وحين أتيت
للإقامة بالقاهرة اتّصلت بالشاعر الراحل أحمد مصطفى حافظ صاحب كتاب دوواين وشعراء
ط الهيئة العامة للكتاب وطلبت منه أن أرتاد الأمسيات وأتعرّف على الشعراء عن قرب،
فدلّني على هيئة خريجي الجامعات بشارع الألفي وكان يدير ندوتها الشاعر الراحل أحمد
عبد الهادي والتقيت هناك بالشعراء صلاح عفيفي وإسماعيل بخيت ومحمد سعيد الغول
الفلسطيني وكانت أوّل قصيدة ألقيتها تلك الّتي كتبتها بالمرحلة الثانوية ونشرت بعد
ذلك بديواني مرايا الرحيل
والّتي
أقول فيها :
يا مصر حبّك
في دمي يا غالية
والقصيدة
تحمل الرفض للسفر إلى دول الخليج، لأنّ معظم من حولي من الجيران والأقرباء كانوا
يعملون بالخليج ويلحّون عليّ بالسفر، فخالي غير الشّقيق قضى ربع قرن بالإمارات مدرّسًا،
وخالتي غير الشقيقة قضت أيضا ربع قرن بالكويت وهكذا وعمّي الشاعر كما ذكرت، فطبيعي
أن أكون مثلهم لأنّ الإنسان ابن بيئته، لكنّي رفضت ذلك وعبّرت عنه شعرًا وساعدني
على ذلك الحرّية الّتي حظيت بها من والدتي في اختيار حياتي كما أشاء، حتّى بعد
التخرّج من الجامعة عرض عليّ الشيخ محمد السنرواي المستشار الديني لمحافظة الفيوم
وكانت تربطه علاقة طيبة بالشيخ زايد والشيخ الشعراوي، عرض عليّ السفر للإمارات،
بالوظيفة الّتي أريدها لكنّي رفضت، من هنا جاءت القصيدة تعبيرًا عن الرفض رغم
ضعفها فنيًا إلاّ أنّي أعتزّ بها:
يا مصر حبّك
في دمي يا غالية
يا جنّتي
ذات الغصون العالية
في مهجتي
أنت المقيمة دائمًا
لا أرتضي
عنك النوى لو ثانية
14 _ إتقان
اللّغة العربيّة أمر ضروريّ للشاعر بنحوها وصرفها وبلاغتها وآدابها وعلومها لكنّها
كما قلت أمور تستبطن، أما طريقة مناهج اللّغة العربية وطرق التدريس فهي عقيمة وخرّجت
أجيالا ضعيفة لا تنطق نطقًا صحيحا رغم حصولها أحيانًا على أعلى الدرجات، والأسباب
كثيرة ومعروفة، فالطالب أولى أن يسمع المعلم ينطق إّن محمدًا وكان محمدٌ، ووردةٌ
جميلةٌ بدلًا من الإعراب فالتلقّي هو الأولى والأبقى، ثمّ هناك قضيّة أضعفت المنهج
بالتّوازي ولم تطوّره على يد المعلم بسبب ضعف راتبه فالمنهج ليس كلامًا وكتابًا
وإنّما معلمٌ يطوّره بثقافته وهو أمر غير موجود بسبب ضعف الراتب، مقارنةً بمعلّم
اللغتين الإنجليزيّة والألمانيّة، فالأمر أصبح اقتصاديًا بامتياز وهذه سياسية
اعتمدها الغرب من أيّام الاحتلال، يذكر أحمد عزّت عبد الكريم في كتابه تاريخ
التعليم في عهد محمد علي كيف صنع الغرب الفرق فدمّر اللّغة العربيّة، ناهيك عن
تصدير اللّغة العربيّة من دول الخليج الّتي ترسل أولادها لتعليم اللّغة الإنجليزيّة،
ممّا جعل الجيل عازفًا عن العربّية، وليس هناك ضير في تعلم لغات أجنبيّة لكن مع
المحافظة على العربيّة لأنّها هويّة وفكر ووعي وحضارة، فالأولى أن توضع مناهج
مغايرة تهتمّ بالجمال والشعر السهل الّذي يحبّب النّشء باللّغة مع الاهتمام بالمعلّم،
وللإعلام دور وللإذاعة دور، فقديمًا كنّا نستمع لطاهر أبو زيد وفاروق شوشه
بالإذاعة، أمّا الآن فما نسمعه مسخرة وتهريج وجهل وتدمير، كما لابدّ من البعد عن
الحشو في المناهج بل يكفي تعليم ما يلزم من النطق السليم والفهم بدلًا من الإغراق
في أمور مكانها التخصّص، فاللّغة العربيّة شجرة تحتاج لمن يرويها ويرعاها لأنّ
أصلها ثابت، والشّعر للأطفال مهمّ وسهل وكذلك القصّة وكلّها أمور تنمّي عند الطفل
ملكة الفهم دون تعقيد.
والمناهج
الغربيّة تقوّي اللّغة عن طريق تدريس شعرائها مثل شكسبير بإنجلترا وجوته بألمانيا
وهكذا ...
15 _ ليس
لي حكمة في الحياة فلست فيلسوفًا، وإنّما لي هدف وغاية وتحديد الهدف هو سّر النّجاح
والّذي يطالع كتابي فقه الحياة يرى ذلك بوضوح.
وحكمة
الحياة كفاح يولّد النجاح، وإنّ العمر وقت يستثمر مع المحافظة على الصحّة
والارتكاز على العلم بدلًا من الجهل والشعوذة.
ولله درّ
شوقي :
دقّات قلب
المرء قائلة له
إنّ الحياة
دقائق وثواني
فارفع
لنفسك قبل موتك ذكرها
فالذّكر
للإنسان عمر ثاني.
16 _ نعم
حقّقت الكثير من النجاح
والنجاح
كما أقول: استمرار وتطوير
ومنذ أن
حضرت إلى القاهرة ولم يكن بذهني طباعة شيء ولا نشر شيء وإنّما كانت غايتي أن أثقل
نفسي أدبيًا وثقافيًا وأن أفعل شيئاً أحبّه، وكنت أتمنّى نشر قصيدة بجريدة ورقيّة
أو مجلّة لتراها والدتي رحمها الله لأدخل على قلبها الفرحة، أو أن أطبع ديوانًا
واحدًا تقليدًا لشعراء كثيرين اكتفوا بطبع ديوان. ودارت الأيّام ونشرت في معظم
جرائد ومجلاّت الوطن العربي.
وصدر لي
أربعة عشر إصدارًا ما بين الشعر والنقد.
وتُرجمت
أشعاري إلى لغاتٍ عدّة، كما ترجم ديواني بي حيرة الصيّاد للغة الفرنسيّة وطبع
بباريس، ترجمة اللبنانية: منى دوغان.
وأصبحت عضو
اتّحاد مصر ودرّست روايتي في جامعة بنها على يد الدكتور سعد أبو الرضا إذ عقد
فصلًا عنها دُرّس للطلبة، وترجمت لي موسوعات كثيرة منها موسوعة شعراء العرب لفاطمة
بوهراكه، وفتح لي الشعر مجالات كثيرة من العلاقات والصداقات في الوطن العربي، وكتب
عن ديواني نقّاد من جميع أنحاء الوطن العربي، ونشرت بعض هذه الدراسات في كتب ومجلاّت
وجرائد مصرية وعربيّة، ناهيك عن التطوّر وهو الأهمّ. فإذا نظرت إلى ديواني الأوّل
ترانيم روح وديواني الأخير تجد الفرق وهو ما أسعى إليه دائمًا.
وأسّست مع
شعراء نوادي أدب وصالونات ثقافية وأدبية كثيرة منها نادي أدب الجيزة وصالون سلوى
المراسي الأدبي، وبإمكاني إذا أردت أن يكون لي صالون أدبي أسبوعي أو شهري لكن أرفض
ذلك فلست من عباد المنصّة.
وأدرت ندوة
رابطة الأدب الحديث لمدّة عام ثمّ تركتها لأنّني أردت التّطوير ومجلس الإدارة
(مكانك سِر).
أمّا
مشاريعي القادمة فهي كثيرة: منها كتاب مفاهيم مقلوبة، أناقش فيه الجماعات المتطرّفة
نقاشا لغويّا، وأنّ سببا من أسباب ضياعهم فهمهم الخاطئ للغة،
وعندي تحت
الطبع ديوان منافي القلق.
17 _ المشهد
الثقافي في مصر مبشّر وبه زخم كبير فأنت تجد كّل يوم أكثر من ملتقى ثقافي وندوة
تقام لمناقشة عمل أو إبداع جديد ناهيك عن طباعة العشرات من الكتب بل المئات يوميًا.
لكنّ
الملاحظ أنّ تلك الملتقيات تغلب عليها الشللية وهي قاعدة عامّة في مصر ليس في
الندوات فقط وإنّما في معظم مناحي الحياة فالحياة هنا قائمة على ذلك، وتستطيع أن
تقول إنّه (نظام حياة). ولذلك منذ فترة وأنا مقلّ في حضور الندوات إلّا فيما ندر،
وأصبحت متفرّغًا لمشروعي الفكري والأدبي.
18 _ آخر
بيت شعر لي
وأجمل
الشعر ما يأتي بلا عنت
وأجمل الحبّ
من بالعقل نهواه
19 _ ليس
شرطًا المعاناة في الإبداع مثلها مثل من يقول: المعاناة سبب النجاح.
قد يكون
ذلك صحيحًا لكنّه ليس شرطًا فهناك مبدعون لم يعانوا مثل شوقي ونزار، وإذا كانت
المعاناة نفسيّة أو بسبب هجر الحبيب أو الموت... الخ فهذا مقبول، لكنّه ليس شرطًا.
من ناحيتي
لا أحبّ المعاناة ولا أتمنّاها لأحد، والفرح والمزاجية أدعى للإبداع والنجاح.
فالإبداع حالة مزاجيّة تطرح نفسها في كلمات وأفكار وانغام مموسقة تحثّ عل الجمال،
والشعر قديمًا كان يُدرّس شأنه شأن جميع العلوم فهو علم ومن ينكر ذلك جاهل، وهو
أبو الفنون والعلوم قال تعالى:
"وما علّمناه
الشعر" نفيًا لمقصد اتّهامه بانتحال النصّ الديني (القرآن).
20 _ نعم
شاركت في عدّة مؤتمرات داخل القاهرة وبعض المحافظات كمؤتمرات قصور الثقافة واتّحاد
الكتّاب وكرّمت كثيرًا من وزارة الثقافة ومعظم المنتديات ومن الاتّحاد وكلية
الآداب - جامعة دمنهور وغيرها كثير. أمّا خارج مصر فوصلتني دعوات كثيرة لكنّ ظروف
العمل لم تسمح وأحيانًا بسبب الأوضاع في بعض الدّول العربيّة، ووصلتني دعوة ذات
إبداع من بروكسل لكنّ الوزارة عندي رفضت وفي الفترة الأخيرة عزفت عن حضور
المؤتمرات إلاّ فيما يكون باتّحاد الكتّاب وبما يسمح به الوقت.
21 _ قصيدة
النثر لها حضور قويّ بالوطن العربي ولا نستطيع إنكارها وتجاهلها، لكن لا بد أن
يكون النصّ قويًا ومشغولًا بدقّة، فالقوالب دمّرت الشعر والشعر معانٍ. بعضهم يعتبر
رصّ الكلمات شعرًا وهذا خطأ كما يظنّ بعضهم الآخر أنّ الشّعر العمودي وزن وقافية
دون الالتفاف للمعاني والصور والمجاز.
لكن على
الصعيد الشخصي أعشق الموسيقى فيما أسمع وأكتب.
22 _ هل
الشعر نخبوي؟ هذه الفردية روّج لها بعض الشعراء المعاصرين بسبب غياب الجمهور، لأنّك
ستلاحظ أنّ في معظم الندوات (الشعراء يسمعون أنفسهم) وليس هناك جمهور والسبب هم
الشعراء أنفسهم وما يكتبون.
فمنذ
السبعينيات والشعر في تدهور وجاءت قصيدة النثر فأبعدت الجمهور لأنّها كما يقول
حجازي قصيدة خرساء لكن هناك نصوص نثرية مبهرة، من هنا اخترع أحدهم فكرة الشعر
نخبوي وروّج لها، والدليل أنّ جمهور نزار بمعرض الكتاب بالقاهرة كان آلاف الشباب
والفتيات وكذلك محمود درويش بالأوبرا والأمثلة كثيرة.
وكثير من
الشعراء والشاعرات دخلو الوسط بلا ثقافة ولا فهم لطبيعة الشّعر ولهم مآرب أخرى
منها المناصب أو الشهرة أو (برستيج)أو من أجل المال لمن يعرف كيف يطبل لدول بعينها
ويروّج لبول البعير وجهل الصحراء.
23_ قراءتي
ليست مقتصرة على الشعر
فأنا أقرأ
في عوالم كثيرة: أقرأ في النقد والرواية والفلسفة والتاريخ والجغرافيا والتراجم،
ناهيك عن آلاف الدواوين الشعرية والتفسير وعلوم القرآن وعلم النفس وعلم الجمال
والسيرة الذاتية، ومكتبتي بها آلاف الكتب في كلّ الفنون وأعشق تاريخ مصر القديم
وعندي ركن خاصّ بمكتبي عن العراق وركن عن فلسطين وركن عن اليهود وركن عن أمريكا أي
ما كتب عن هذه الدول أو شعر لأبنائها أو ما يتماسّ معها سياسيًا والشاعر بالضرورة
ناقد وليس العكس.
24_ أيّام
الطفولة شأنها شأن أيّ طفل قرويّ، نشأت وسط أهل والدتي وكانوا من أسرة متوسّطة.
أبي كان تاجرًا ميسورًا لكنّه كان منفصلًا عن والدتي ولم يكن يعرفني ولم أعرفه إلاّ
حينما كبرت.
تربّيت
ونشأت في بيت جدّي لأمي وكان كريمًا لأبعد الحدود، ثمّ اشترت والدتي منزلًا خاصًّا
بها فانتقلنا إليه وكان قريبا من بيت جدّي وعشنا حياة كريمة مستورة ولم يكن يشغل
بالي سوى المذاكرة وتحصيل الدروس، وحين كبرت وأردت أن أعمل لمساعدة والدتي كانت
ترفض حتّى لا أُشغل عن الدراسة ولكي أستطيع الحصول على أعلى الدرجات للالتحاق
بالجامعة تحقيقًا لرغبة والدتي وقد حقّقت لها ذلك.
وكنت أمارس
الرياضة (الوشو) مع المذاكرة ولم تمنعني والدتي وكان حلمي وقتها أن التحق بكلية
التربية الرياضية وأن أسافر إلى الصين_ إذ كنت بطلًا من أبطال الجمهورية وحصلت على
بطولة القاهرة من أكاديمية الشرطة وقبلها حصلت على بطولة الفيوم وقدّمت هذه
الشهادات للتربية الرياضية أثناء كشف الهيئة_ لكن شاء ربّك غير ما أريد.
وفي فترة
الجامعة أحببت القاهرة وقرّرت أن أقيم فيها بعد انتهاء الدراسة وقد كان لي ما أردت
ولم تمانع والدتي.
25 _ إنتاجي
الأدبي إلى الآن :
أنجزت
بعضًا من مشروعي الفكري والأدبي وأصبح في رصيدي أربعة عشر كتابًا في الشعر والنقد
منها :
ترانيم روح
(شعر)، مرايا الرحيل (شعر)، حديث النار (شعر)، لن أنسحب (شعر)، بي حيرة الصياد
(شعر)، قالت لي أمي (شعر)، في المطار (شعر)، أوراق الخريف (نقد)، علمني الحب (نصوص
أدبية)، طيفك بين الرصاص (شعر)، فقه الحياة (تنمية بشرية)،
شموخ (شعر)،
للحبّ رائحة الأرق (ومضات)
وطافت
أعمالي جميع أنحاء الوطن العربي
26_ قصائد
كثيرة أعجبتني
منها على
سبيل المثال
قصيدة ابن
زيدون الّتي يقول في مطلعها:
أضحى
التنائي بديلًا عن تدانينا
ونابَ عن
طولِ لقيانا تجافينا
وقصيدة:
أراك عصيَّ
الدمعِ شيمتُك الصبرُ
أما للهوى
نهيٌ عليك ولا أمرُ
لأبي فراس
الحمداني
التي تغنّت
بها أم كلثوم
وقصيدة أبي
القاسم الشابي:
إذا الشعبُ
يومًا أراد الحياة
وقصيدة
البرعي الصوفي اليمني:
عذلته حين
لم تنظر بناظره
ولا علمت
الّذي في الحبّ يعلمه
الّتي
مطلعها:
خَلِّ
الغرام لصبٍّ دمعه دمه
وقصيدة
شوقي: مُضناك جفاهُ مرقده الّتي غنّاها محمد عبد الوهاب، والّتي عارض فيها شوقي
الشاعر الحصري القيرواني:
يا ليلُ
الصبُّ متى غدُهُ
أقيامُ
الساعةِ موعدُهُ
وقصيدة أبي
تمّام:
السيفُ
أصدقُ أنباءً من الكتبِ
في حدِّهِ
الحدُّ بين الجدِّ واللّعبِ
وقصيدة
الجواهري:
حييتُ
سفحكِ عن بُعدٍ فحييني
يا دجلةُ
الخيرِ يا أمَّ البساتينِ
وقصيدة عش أنت
لبشارة الخوري الّتي غنّاها فريد
وأجملُ
بيتٍ من وجهه نظري بيت أحمد شوقي:
ويا وطني
لقيتُكَ بعد يأسٍ
كأنّي قد
لقيتُ بكَ الشبابا
27 _ نزار
قباني: أوّل من أحببت الشعر على يديه كما قلت عن طريق عمّي الّذي أهداني بعضًا من
دواوينه، وفي مكتبتي معظم دواوين نزار، وأذكر أنّني اشتريت ذات معرض للكتاب
الأعمال الكاملة وحين قرأتها اكتشفت أخطاء بالجملة فأعدتها للناشر بحكم خبرتي
بنزار.
ونزار
مدرسة تمتاز بالسهل الممتنع كما استطاع أن يوظّف المفردات اليومية في الشعر وكنت أحفظ
ديوان بلقيس في رثاء زوجته العراقية عن ظهر قلب فترة الصغر.
محمود
درويش: شاعر الأرض المحتلّة كما أسماه رجاء النقاش في كتابه الماتع عنه، وكان لي
شرف مقابلته بالأوبرا والاستماع إليه وكان مزاجيّا حدّ الكبر و(جنتل مان) ومدخّنًا
شرهًا.
ومحمود
درويش امتداد لقافلة الشعر الفلسطيني منذ عبد الكريم الكرمي (أبو سلمى) وإبراهيم
طوقان وهارون هاشم رشيد وإقبال اليعقوبي وإبراهيم درويش الدباغ ومطلق عبد الخالق
ومعين بسيسو وسلمى الخضراء الجيوسي ويوسف الخطيب وسعيد العيسى وأمين شنار وراضي
صدوق وعبد الرحيم محمود وفدوى طوقان وتوفيق زياد صاحب رائعة
أناديكم !
أشدُّ على
أياديكم
وأبوسُ
الأرضَ
تحت نعالكم
وأقولُ:
أفديكم
وأهديكم
ضيا عيني
وإن كان من
الظلم حصر محمود درويش في القضية الفلسطينية.
ومحمود
درويش عبقريّ أخلص للشعر والإلقاء لديه لا يضاهيه فيه سوى أحمد عبد المعطي حجازي.
وفي نهاية
حياته اتّجه إلى كتابة النثر فأبدع لأنّ اللّغة لديه عالية وأدواته مكتملة وفي
مكتبتي معظم ما نشر ونُشر عنه، وكنت أحفظ له الكثير وخاصّة (أحنّ إلى خبز أمي).
أحمد فؤاد
نجم : شاعر العامية الكبير ابن البلد والثورجي الجدع لا يُذكر إلاّ وتُذكر معه:
مصر يامّا
يا بهية يا أمّ طرحة وجلابية
الزمن شاب
وإنت شابة هو رايح وإنت جاية
أحمد فؤاد
نجم ضمير وطن وسيرة كفاح، شاعر البسطاء والمقهورين، قابلته أكثر من مرّة وكان يسكن
قريبا منّي حين كنت أسكن بالمقطم والتقيته بنقابة الصحفيين واستمعت إليه، كان ابن
نكتة ولسانه سليط يجبرك على الضحك وأحتفظ في مكتبتي بالأعمال الكاملة له هو وأعمدة
الشعر العامي في مصر: الأبنودي وصلاح جاهين وبيرم التونسي وفؤاد حداد وفؤاد قاعود
وصولا ليسري العزب.
نجيب
محفوظ: أديب نوبل وابن الحارة المصرية الّذي عبر عنها خير تعبير. في الصغر قرأت له
بعض الروايات التي كانت تطبعها مكتبة مصر بالفجالة مع أعمال جودة السحار ومحمد عبد
الحليم عبد الله، وحين ثارت الدنيا حول أولاد حارتنا قمت بشرائها ووجدتها رواية
ماتعة يتكئ فيها على قصص الأنبياء وينتصر للعلم، وحين التحقت بالعمل بوزارة
الأوقاف وعرفوا أنّي شاعر أخبروني أنّ نجيب محفوظ كان يعمل بالأوقاف في أوّل مراحل
حياته، وكنت قد عرفت ذلك قبلها.
وفي مكتبتي
معظم رواياته وبعض ممّا كتب عنه، ويعتبر أديب الواقعية الأّول بمصر ولديه قدرة على
السرد بطريقة لا يضاهيه فيها أحد وبين الحين والحين أعود إليها. وفي رواية
الحرافيش يتحدّث عن وباء مثل كورونا:
(وقف
شيخ الحارة عمّ حميدو وضرب الطبلة فهرع الناس إليه من البيوت والحوانيت، فقال لهم:
إنّها الشوطة (الوباء)، لا يدري أحد من أين تجئ؟... اسمعوا كلمة الحكومة!.. تجنّبوا
الزحام... تجنّبوا المقاهي والبوظة والغرز... عليكم بالنظافة... اغلوا مياة الآبار
والقرب قبل استعمالها... اشربوا عصير الليمون والبصل، تذكّروا ربّكم وادعوه وارضوا
بقضائه).
إحسان عبد
القدوس: الساحر -كما أسميه- الّذي مزج بين الحبّ والسياسة في كتابته بطريقة بديعة
رغم الجرأة في التناول، فإحسان عبد القدوس لا يعترف بالحبّ العذري.
قرأت له
الكثير ومن حسن حظّي أنّه تربطني علاقة طيّبة بأسرته ودخلت لمنزله بالزمالك مع
ابنه محمد عبد القدوس صديقي (الجنتل) وفوجئت بصورة كبيرة للشيخ محمد الغزالي على
يمين الداخل وذلك لأنّ زوجة الأستاذ محمد مدام عفاف الغزالي. وهو دليل على أنّ
إحسان عبد القدوس منفتح على الدين ولا يرفض الفكر المعتدل، ومن خلال الأستاذة عفاف
تعرّفت على عائلات كثيرة بالقاهرة والسعودية منها أسرة السفير أحمد القطان وكان
وقتها مندوب السعودية بجامعة الدول العربية قبل أن يصبح سفيرًا وكان يسكن خلف مجلس
الدولة وكان يسكن معه بالعمارة دكتور علي السمان وعرفني الأستاذ محمد علي الأستاذ
إبراهيم عيسى ومن المضحك أنّ الأستاذ محمّد حين أعاد طباعة أعمال والده حذف بعض
الأشياء لكن ذلك من وجهه نظري غير مقبول.
العقاد:
العملاق والرجل العصامي
وفي مكتبتي
كلّ مؤلفات العقاد وكنت في الصغر أقوم بتصوير دواوينه من دار الكتب بالفيوم الّتي
هي في الأصل مكتبة حمد باشا الباسل الوفدي وقرأت معظم ما كتب، والعقاد ناقد موهوب
وأسّس لنظرية في كتابة الديوان في الأدب والنقد مع المازني وشكري خلاصتها (أنّ كلّ
شاعر يعرف ممّا يكتب من الناحية الوجدانية والنفسية) بحيث إذا قرأت شعرا أو سمعته
تقول هذا شعر فلان والتأثير والتأثر بالمنهج الغربي واضح، لكن يؤخذ عليه حربه على
شعر شوقي ومع مرور الزمن صمد شعر شوقي وما زال يردّد لأنّ الشعر قبل كلّ شيء صورة
وبلاغة وموسيقى قبل أن يتوه في مداخل ومخارج قد تضره وتحمله ما لا يحتمل، ومات شعر
العقاد والمازني وإن كنت أرى أنّ شكري شاعرٌ لكنّه ظلم والمازني روائي أكثر منه شاعر
والعقاد ناقد أكثر منه شاعر.
والآن وأنا
أقرأ العقاد تغيّرت نظرتي لأّني مع الوعي اكتشفت أنّه عدو للمرأة وتقليدي فيما عدا
العبقريات الّتي تحسب له.
وفي كتابه
شعراء مصر وبيئاتهم لا يعترف بالمرأة شاعرة.
وفي كتاب
الدكتور سعيد اللاوندي - عن عبد الرحمن بدوي فيلسوف الوجودية الهارب إلى الإسلام، وكان
د. بدوي مقيما بباريس واللاّندوي مراسل الأهرام- نجد حوارًا وفيه يسأله عن العقاد
فيحكي له أنّ بدوي قابل طالبا مصريا جاء إلى باريس للحصول على الدكتوراه وكان بدوي
بمثابة مزار للمصريين، فسأله بدوي عن أيّ شي رسالتك؟ فقال أبو همام عن شعر العقاد.
فردّ د. بدوي وهل العقاد شاعر؟ ثم طرد أبو همام وكان د. أبو همام متعصبًا لشعر
العقاد رحم الله الجميع.
وإن كنت
اختلف مع العقاد كثيرًا إلاّ أن العقاد قامة وقيمة.
28 _ مصر
ما زالت حاضرة في المشهد الثقافي لكنّ السياسة لها أولويات، وللأسف بعض المنتجين
ومُحدثي النعمة دمّروا كلّ جميل في الطرب والفنّ وحتّى المسلسلات صارت أفلامًا
مقطعة وصار الفيلم والمسلسل تفصيل. وحكى لي صديق سينارست أنّ غادة عادل تطلب منه
أن يكتب كذا وكذلك أحمد السقا.
وصارت
الأغنية ركيكيه والكلمات ضعيفة وأبعد ما تكون عن ثقافتنا وحضارتنا، والفنّ تعبير
عن الوضع، لكنّها مرحلة ولن تستمرّ والتعويل على الشعراء والمثقّفين شريطة أن يقدّموا
الجمال على المال وأن يخرجوا من تحت عباءة النفط.
29 _ أكيد
سألبّي وكلّي شوق فمهرجان المربد يُسعى إليه وسوف أشدوا شعرًا عن العراق إن كان لي
شرف الحضور
بغداد
تستبق الدهور وتعثر
والحرف جسر
والقصيدة معبر
بغداد الحب
والعلم والأدب والكرم
وحويت
أصناف العلوم كأنّها سحب على كل الخلائق تمطر
30 _ مجلّة
الآداب والفنون مجلّة قيّمة ومتنوّعة فيها من الأدب الرفيع والفكر التنويري وتعدّد
الوجوه من الدول العربية أثراها وجعلها عربية بامتياز ويحمد لها بعدها عن السياسة
ومهاترتها فيكفينا ما نحن فيه وبالثقافة والأدب نبني جيلًا محبًا للعروبة ويكفي أنّها
فتحت آفاقًا لشعراء في وقت أغلقت في صحف ومجلاّت.
في
النهاية: تحيّة للشعب العراقي ولأهل البصرة الكرماء على أن نلتقي ذات صباح على
كورنيش شطّ العرب وقرية جيكور ونتصعلك في سوق العشار بعد أن يحطّ بنا الرحال بشارع
المتنبّي وأبو نواس والكاظمية والمنصور وكرداة خارج بعدما تعود بغداد حاضرة الدنيا
وجنة الله على الأرض.