مَنْ حُدَّ مِن الأشراف في الخمر وشُهِرَ بها
من خلال العقد الفريد لابن عبد ربّه
ورقة يصدرها
الباحث: عبد المجيد يوسف/ تونس
بعض الناس يذهب بهم الخيال إلى تصور المجتمع الإسلامي الأول
القريب من الرسول وصحابته وتابعيهم زمنيا مجتمعا تسود فيه الفضيلة والنقاء
والاتباع الصارم للتعاليم الدينية وأسبغوا على ذلك الزمن وعلى هؤلاء الأشخاص كثيرا
من القداسة نازعين عن هذا المجتمع وعن هؤلاء الأشخاص طابعهم الواقعي الإنساني...
وقد ترك لنا الإخباريون وحتى الفقهاء تراثا ناطقا بالحقيقة النّسبية بما فيها من
تجاوزات ومن عدل ومن جوْر أيضا. وقد اقتطفنا نصا ناطقا بهذه الحقيقة من أحد الكتب
الأمهات هو العقد الفريد (الجزء الثامن) للفقيه أحمد بن عبد ربه المتوفى سنة 328
للهجرة. وقد أثار فينا هذا الكتاب فضولا كبيرا في ما يخص مقتل عبد الله بن عمر بن
الخطاب تحت التعذيب وقد تلقى الحدّ مرّتين بسبب تعاطيه الخمرة مما يتطلب مزيدا من
القراءة والتحري في مدونات السّيرة وكتب الأخبار، وأرجو ان تكون لنا عودة إلى
الموضوع.
مَنْ حُدَّ مِن الأشراف في الخمر وشُهِرَ بها
منهم يزيد بن معاوية (1) وكان يقال له يزيد الخمور
وبلغه أنّ مِسْوَر بن مخرمة (2) يرميه بشرب الخمر
فكتب إلى عامله بالمدينة أن يجلد مسور حدّ الخمر ففعل. فقال مسور
أيشربُها صِرْفًا بطينِ دِنانِها*** أبو خالدٍ، ويُضرَبُ الحَدَّ مِسْوَرُ؟
وممّن حُدَّ في الشّراب الوليد بن عقبة (3) ... أخو عثمان بن
عفّان لأمه، شهد أهلُ الكوفة عليه أنّه صلّى بهم الصبح ثلاث ركعات... ثم التفت
إليهم فقال: إن شئتم زدتكم. فجلده علي بن أبي طالب بين يدي عثمان. وفيه يقول
الحُطيئة:
شهد الحطيئةُ يوم يلقى ربّه*** أن الوليد أحقُّ بالعُذْرٍ
نادى وقد تمّت صلاتُهُمُ*** ليزيدَهُمْ خيْرا ولا يدري
ليزيدَهم خيرا ولو قبلوا*** لجَمَعْتَ بين الشّفع والوتر
كبَحوا عِنانَك إذ جريْتَ ولو*** تركوا عِنانك لم تزلْ تجري
ومنهم عبد الله بن عمر بن الخطاب (4)، شرب بمصر، فحدّه هناك
عمرو بن العاص سرّا، فلما قدم على عمر جلده
حدّا آخر علانية.
ومنهم العباس بن علي بن عبد الله بن عباس. (5) كان ممن شهر بالشراب ومنادمة الأخطل ...
ومنهم قدامة بن مظعون من (6) أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، جلده عمر بن الخطاب بشهادة علقمة الخصيّ وغيره في الشراب.
ومنهم عبد الرحمن بن عمر بن الخطاب المعروف بأبي شحمة (7) حدّه أبوه في الشراب وفي أمر أنكره عليه، فمات تحت حدّه.
ومنهم عبد الله بن عروة بن الزبير، حده هشام بن إسماعيل
المخزومي في الشراب.
ومنهم عاصم بن عمر بن الخطاب، (9) حده بعض ولاة المدينة في
الشراب
وممّن فُضِح بالشراب بلال بن أبي بردة الأشعري (10) وفيه يقول
يحيى بن نوفل الحِمْيَري:
وأمّا بلال فذاك الذي*** يميل الشراب به حيث مالا
يبيت يمصّ عتيق الشراب *** كمصّ الوليد يخاف الفصالا
ويصبح مضطربا ناعسا*** تخال من السكر فيه احولالا
ويمشي ضعيفا كمشي النزيف*** تخال به حين يمشي شِكالا
وممّن شُهر بالشراب عبد الرحمن بن عبد الله الثقفي (11) القاضي
بالكوفة وفضح بمنادمة سعيد بن هبار وفيه يقول حارثة بن بدر:
نهاره في قضايا غير عادلة *** وليله في هوى سعد بن هبّار
فأصبح النّاس أطلاحا أضرّ بهم*** حثّ المطيّ وما كانوا بسُفَّارِ
ومنهم أبو محجن الثقفي (12) وقد حدّه سعد بن أبي وقاص مرارا
وشهد القادسية مع سعد وأبلى فيها بلاء حسنا
وهو القائل:
إذا متّ فادفنّي إلى ظلّ كرمة*** تروّي عظامي بعد موتي عروقُها
ولا تدفننّي في الفلاة فإنّني*** أخاف إذا ما متّ ألا أذوقها
ثم حلف بالقادسية ألاّ يشرب خمرا أبدا وأنشأ يقول:
إذا كانت الخمر قد عزّت وقد مُنعت *** وحال من دونها الإسلام
والحرج
فقد أباكرُها صهباءَ صافية *** طورا وأشربُها صِرفا وأمتزج
وقد تقوم على رأسي مغنّية *** فيها إذا رفعت من صوتها غنج
فتخفض الصّوت أحيانا وترفعه *** كما يطنّ ذباب الرّوضة الهزج
ومنهم عبد الملك بن مروان وكان يسمى حمامة المسجد لاجتهاده في
العبادة قبل الخلافة، فلما أفضت إليه الخلافة
شرب الطِّلا. وقال له سعيد بن المسيب (13)
بلغني يا أمير المؤمنين أنك شربت بعدي الطلا؟
فقال: أي والله، وقتلتُ النفس.
ومنهم الوليد بن يزيد(14) ذهب به الشراب كل مذهب حتى خلع وقتل.
وهو القائل:
خذوا ملككم لا ثبت الله ملككم *** ثباتا يساوي ما حييت عقالا
دعوا لي سليمى والنبيذ وقينة *** وكأسا، ألا حسبي بذلك مالا.
وسقى قومٌ أعرابية مُسكِرا، فقالت: أيشرب نساؤكم مثل هذا؟ قالوا
: نعم. قالت: فما يدري أحدكم من أبوه.
...
الهوامش
(1) اليزيد بن معاوية بن أبي
سفيان(26/64)هـ
(2) مسور بن مخرمة: أبو عبد الرحمن
(2 هـ - 64 هـ) صحابي من صغار الصحابة، وأحد رواة الحديث.
(3) الوليد بن عقبة بن أبي معيط
(توفي 61 هـ) ولاه عثمان الكوفة، مكان سعد بن أبي وقاص... شهد عليه الناس بشرب
الخمر، فأمر عثمان به فجلد وعزل عن الكوفة
(4) عبد الله بن عمر بن الخطاب:
عبد الله بن عمر بن الخطاب (10 ق.هـ - 73 هـ) محدث وفقيه وصحابي من صغار الصحابة
(5) لم نجد له سيرة في ما لدينا من
المراجع
(6) قدامة بن مظعون من السابقين
الأولين للإسلام شهد بدرا وأحد وبقية غزوات النبي. ولاه عمر خلافة البحرين ثم اتهم
بشرب الخمر وتأوّل آية من القرآن تبيح لفئة معينة شرب الخمر فخطّأه عمر وأقام عليه
الحد.
(7) عبد الرحمن بن عمر بن الخطاب
وهو الأوسط من ثلاثة إخوة يحملون نفس الاسم...ابن الجوزي يقول إنه شرب نبيذا وهو
غير ممنوع لكنه بالغ حتى سكر فجاء عمروا فطلب منه أن يقيم عليه الحد... ففعل سرا
وبلغ الأمر عمرا بن الخطاب أمر ابن العاص أن يشخصه إليه في عباءة على قتب بغير وطاء.
فوصل مرضا فأعاد عليه الحد
وسجنه حتى مات (الوافي بالوفيات وطبقات ابن سعد) ( (45/125) هـ لم نجد تفصيلا لسيرته.
(9) عاصم بن عمر بن الخطاب تابعي
مدني، وأحد رواة الحديث. لم تذكر عنه هذه الحادثة في سير أعلام النبلاء
لشمس الدين الذهبي لكن هذا لا يعني نفيها.
(10) أبو بُردة بن أبي موسى الأشعري
(توفي103 هـ) فقيه تابعي كوفي، وأحد رواة الحديث ، قاضي الكوفة في زمن الحجاج بن
يوسف.
(11) عبد الرحمن بن عبد الله
الثقفي. لم نعثر له على سيرة.
(12) أبو محجن مالك بن حبيب
الثَّقَفي. لا يعرف بالضبط تاريخ وفاته ويرجّح أنه توفي بعد سنة 16 هـ شاعر ومقاتل
في الجاهلية والإسلام. حارب المسلمين في غزوة ثقيف، وأسلم بعدها، وروى عدة أحاديث.
نظم الشعر في الغزل والفخر والرثاء، ولكن شهرته تعتمد على خمرياته ووصفه للحرب. له
ديوان صغير مطبوع.
(13) سعيد بن الْمُسَيِّبِ (15 هـ - 94 هـ) تابعي مدني، المُلقّب بـ
«عالم أهل المدينة»، وبـ «سيد التابعين» في زمانه وأحد رواة الحديث.
(14) الوليد بن يزيد بن عبد الملك
بن مروان ولد سنة 90هـ وقتل سنة 126
ورقة من إعداد الباحث: عبد المجيد يوسف يوسف