الباحث: عبد المجيد يوسف/ تونس |
كيف تدرج الأدب من فن إلى علم؟
ورقة أدبيّة يصدرها الباحث: عبد المجيد يوسف/ تونس
النّصّ
كائن تاريخيّ متطور... والكاتب مطالب بأن يكتسب الثقافة المتعلقة بتاريخ النّصّ ليمركز
إنتاجه أو قراءاته في سيرورة هذا التاريخ وفي أنساق تطوره وليتمكّن من القراءة الذكية
التي تضع النص في موضعه. ويُنتج في أحدث ما وصل إليه هذا التطور.
وقد تعرضنا
في حصصنا السّابقة إلى مفهوم النّصّ في العصور الكلاسيكية.
كان النص
في العصور الكلاسيكية يؤسّس جانبا من منظومة مفهومية مركزها العلامة بالمعنى السوسوري
للمصطلح، (يعني أنه مجموعة من العلامات ذات مدلول وذلك المدلول ثابت، له مرجع في ذهن
السّامع أو القارئ بحيث يتمكن من التفكيك بسهولة ويصله المعنى بسهولة كذلك... بناء
على خبراته السابقة). الانفلات الوحيد...
وهكذا
فإنّ هذا المفهوم الكلاسيكي المؤسّساتي للنص قائم بالضرورة على أسس ميتافيزيقية هي
ميتافيزيقية الحقيقة.
لكن الميتافيزيقا
لن تلبث أن تصل إلى مأزق في خضمّ التحولات المعرفية في العصر الحديث... منذ الضربات
العنيفة التي تلقتها في ظل صعود الفلسفة الوضعية وتفاقم منزلة العلوم القائمة على العقل
التجريبي واستيلاء هذا العقل على مجال غير تجريبي وهو الآداب.
في القرن
التاسع عشر ظهر مبدأ السببية (باعتباره أصلا من أصول التفكير العلمي) في تفسير الآثار
الأدبية بحيث تكون مادة النقد الأدبي هي البحث في ثلاثية "العرق والوسط والزمن"
هذه الثلاثية حسب تان مؤثرة مباشرة في طبيع الأثر الفني.
ونلاحظ
هنا ربطا مباشرا بين الأدب وعلم الإناسة (الأنطروبولوجيا) وطائفة أخرى من العلوم كالتاريخ
وعلم الأرض وعلوم الطبيعة...
هذه مرحلة
أولى من محاولة العقل الوضعي السيطرة على الآداب وسوف تليها مرحلة ثانية.
لكن النظرية
الوضعية سوف لن تكون مقنعة بالشكل الذي كان أصحابها ينتظرون فقد وجهت إليها عديد الانتقادات
لا يمكننا الآن استعراضها ولكن سوف يكون هناك فاصل ايبستيمولوجي هام جدا في تاريخ النص
هو ظهور اللسانيات وظهور التفكير البنيوي في بداية القرن العشرين وهو ما سوف يستدعي
التخلي عن التفسير الطبيعي لأنه بحسب المبدأ الجديد داخل في تاريخ الأدب وليس في الأدب
ذاته.
هذا العلم
الذي مادته اللغة، القائم على جملة من المبادئ الخاضعة للتجريب سوف يُحدث تحوّلا عميقا
جدا في النظرة إلى النص لسبب بسيط هو أنّه مصنوع من مادة اللغة.
التوجه
نحو العلم ومناهجه أرسى النظرة الموضوعية لمادة النص وهي اللغة.
وصار
هناك مبحث جديد يتجاوز النحو إلى تاريخ اللغة.
يرجع
توجُّهُ الدّرس اللغوي نحو التناول التاريخي إلى سنة 1786 حيث ربط السير ويليام جونز
بين السنسكريتية القديمة وبين اللغات الأوروبية أي اليونانية واللاتينية واللغات الجرمانية
المختلفة.
سوف تقتضي
المقارنة بين السنسكريتية واللغات الأوروبية الأمهات مقاربة تاريخية للغة ، وهو ما
يستدعي نمطا آخر من التفكير هو حتما غير التفكير التقعيدي الستاتيكي، كما يستدعي نمطا
آخر من المقاربة وهو غير المقاربة الكلية... بل تلك التي تعتمد التجزئة وفصلَ المستويات
المكونة للكلّ قصد دراستها، وهو ما ينجرّ عنه علم اللغة الوصفي. (يتبع)
ورقة من إعداد الباحث: عبد المجيد يوسف/ تونس