الأحد، 12 فبراير 2023

طريقٌ إلى بنزرت للشّاعر عبد الأمير العبادي/ العراق

الشّاعر: عبد الأمير العبادي/ العراق

طريقٌ إلى بنزرت
للشّاعر عبد الأمير العبادي/ العراق

أتظنُّ   يا عابرَ خصالِ منحنياتِ

مدنِ الخضارِ ورقّةِ النّساءِ

أنتَ الّذي يوسّعُ المسافاتِ

تُصغّرُ قدميكَ

لترى أنّكَ تقتربُ لنقطةِ عبورٍ

تتركُ فيها ضيمكَ المؤبّدَ

أو تبحثُ عن التّسامحِ

في مدنكَ المغطّاةِ بأوحالِ الهزائمِ

وتخاذلِ أصدقائكَ الشّعراءِ.

 

أنا قادمٌ جوّالٌ

لا شيءَ لديّ سوى قربةِ ماءٍ

أو أحتفظُ ببقايا من أجنحةِ

البلبلِ الّذي أعدّتهُ تفاهةُ الرّيحِ

أو طمعُ صقرٍ به

 

لي ثيمةٌ من حكايا

قلتُ إنّها صفقةٌ ربّما

تلقيني خارجَ حدودِ منصّاتِ السّواحلِ

أو أتعلّمُ نغماتٍ معطّرةً

بشجرةِ اليوكالبتوس الّتي أعدمتْ

قربَ أنهارِ الجنوبِ.

 

تأخذني أدوّنُ أو أحفرُ لي

ذاكرةً صخريّةً تؤومُ

عن انتصارٍ أتتْ به صدفٌ

أو ألقتْ به أدعيةُ الثّكالى

لأبناءِ أرضٍ تقتلُ أرضها.

 

في البحرِ الأبيضِ المتوسّطِ

ما زالتْ أثوابُ الجندِ بيضاءَ

والطّلاءُ أبيضَ

وأنَّ بنزرتَ تفتحُ كفّيها

تلتقطُ أصواتاً يأتي بها

صخبُ الموجِ،

أما تعودينَ يا بنزرتُ تفتحي

لنا دروباً نكتبُ فيها

انتهاءَ نكبتنا.

 

في بنزرتِ تحدثُ المقارنةُ

بينَ نسوةِ مرافئها

ذاتِ الشّفاهِ المطليّةِ بالزّيتونِ

الساحليّ

وبينَ الشّفاهِ ذاتِ الطّعمِ الفودكي

الفودكا الّتي لا تتجمّدُ بالثّلجِ

السّيبيريّ

أو شفاهِ امرأةٍ من الجنوبِ الخصيبي

الّذي تيبّسَ بملحٍ لا تألفهُ مدنُ الدّنيا

لكنّها تزهو بضفيرةٍ تلوّنتْ ببقايا

الحنّاءِ الّتي افترستها حروبُ الطّغاةِ.

 

أظلُّ أبحثُ عن مظلّةٍ

أو ناموسيّةٍ لعلّني أرسمكِ

بريشتي أو أدوّنكِ أجملَ نساءِ اللهِ.

الشاعر: عبد الأمير العبادي/ العراق

الأحد، 5 فبراير 2023

نصّ من رواية "رجل الضفّتين"،،، صفيّة قم بن عبد الجليل/ تونس

الأديبة صفيّة قم بن عبد الجليل/ تونس
 

نصّ من رواية "رجل الضفّتين"

كانت دهشتي شديدة وأنا أقلّب البصر هنا وهناك؛ ولأوّل مرّة أتفطّن إلى أنّ جلّ لوحاتي تحمل صور نساء في مختلف الأعمار والهيئات والمناسبات...! هالني الأمر، وبلا وعي وجدتني أبحث عن وجه تلك المرأة المقرفصة فلم أعثر له على ملامح ولا على شبَه! كنتُ أسخر من نفسي وأنا أسألها: "كيف لي أن أرسمها قبل أن ألتقيها؟! ومع ذلك ظللتُ أبحث عنها في فضاء المرسم وفي مخيّلتي دون أن أعبأ بهاتف يهتف بي دون هوادة: "إنّك بصنيعك هذا تثبت جنونك لنفسك ولغيرك، فهلّا أقلعتَ؟!" ولا يزيدني إلحاح الهاتف إلّا إمعانا في البحث العشوائيّ هنا وهناك... لم أترك لوحة لم أقف أمامها كأنّي لستُ مَنْ رسمها أو كأنّني أُبصرُها لأوّل وهلة! داهمني إحساس فظيع بالغربة وأنا أتملّى الوجوه والقدود والتّعابير والحركات وداهمتني روائح تنبثق من العيون والثّياب والنّظرات والابتسامات أو التكشيرات... كدتُ أجزم بأنّ هذا الّذي يتملّى اللّوحات ليس أنا، الرسّام المعروف رضوان الفالح خرّيج المعهد الأعلى للفنون الجميلة، بتونس وبالسربون، بل كدتُ أجزم أنّني لستُ في يقظة!

صرخة مدوّية من تلك المرأة المركونة كجثّة هامدة بالزّاوية اليمنى رجّتني رجّا عنيفا فقفزتُ من مكاني هاربا ولذتُ بمكتبي فزعا، ثمّ لم ألبث أن تداركتُ أمري وهرولتُ إليها مستكشفا فإذا هي هامدة في لباسها الأبيض الشّفيف ولا شيء فيها يثير غير ابتسامتها الّتي بدت لي صفراء وقحة! إلهي لِمَ رسمتُها على هذا النحو؟!

طفقتُ أعصر ذاكرتي عصرا علّي أهتدي إلى ظروف رسمها وممّا استوحيتُها فما ظفرتُ بأدنى إشارة! وظللتُ أرتحل بذاكرتي من لوحة إلى لوحة، لأدرك في ومضة خاطفة أنّني لا أبحث إلّا عن ذاتي عبر الخطوط والألوان والرّوائح... فهل أجدُها؟!

سؤال لم أطرحه على نفسي بذات الحدّة كما الآن! مطارق تقرع رأسي وأنا أجوب هذا المرسم بحثا عن ذاتي التّائهة بين هذا الرّكام من الوجوه الّتي بدت لي لأوّل مرّة كأنّها جثث محنّطة، بل نتنة! إنّي أراها فاغرة فاها، أراها تتربّص بي لتنقضّ عليّ وتفترسني! أبتعد عنها بحذر شديد لأجد نفسي محاطا بها من كلّ جانب! يضيق بي المرسم وتثقل أنفاسي وأكاد أختنق! أحاول أن أنفذ بجلدي فأقع دون ذلك. سألتُ السّماء بكامل وهني ولهفتي فردّتني إلى الأرض... توسّلت بالأرض فأرسلتني إلى بنيها... تفرّستُ في الوجوه من جديد فأفزعتني الأقنعة! فررتُ ورحتُ من جديد أستجدي السّماء والأرض وما بينهما... بهدير وصرير وزفير وصفير وزئير وأنين وعويل... يضجّ الكون ولا أحد يعير سعدا اهتماما بعد أن هلك سعيد، ولا أحد يدرك أنّ الهلاك آت لا محالة من يوم أن أُكل ذاك الهزبر العتيد... هِمتُ على وجهي أشحذُ يقينا ولا يقينَ! سألتُ الرّمل والنّمل والصّخر والبحر فناح الموجُ وتوارى وراء الأفق البعيد... عدتُ أدراجي وحيدا إلّا من ظلّي، ذاك الرّكيك السّمج الّذي يعدّ عليّ أنفاسي فأختنق. عدتُ أسأل البشر والحجر والشّجر، فما ظفرتُ بغير فوضى حواسٍّ وصخبٍ وهرجٍ. سألتها: أهي الواقعة أم الزلزلة؟!

قالت جميعها: "ابتعد عنّي. اُرسمْ أو غنّ"!

قلتُ: "كيف أغنّي وذي أرضي تنوح وهذي الوجوه بكلّ شكل ولون تبوح"؟!

قالت: "غنّ أو نُحْ، فكلاهما سواء! "

انكفأتُ على ذاتي، أسألها عنّي. فقالت: "غنّ كما الطير أو ابتعد عنّي!"

قلتُ: "كيف يحلو الغناء وسط هذا العَناء؟!"

قالت: " إذن اُصمت وكن هباء!"

فررتُ بجلدي ورحتُ أفتّش بين جوانحي لعلّي أعثر على ضالّتي... لقد هالني ما وجدتُ في أركان مرسمي، هناك:

وجدتُ في ركنٍ طفلا ينتظرْ، في لهفة مواسمَ السّفرْ.

وفي ركن آخر عجوزا طاعنة، تُقلِّب الكفّ والنّظرْ،

وتستجلي الحكمة من صمت ليلها وحفيفِ أوزار العمر.

وفي ثالث سيّدة تُطرّز من عبق ضفيرتها قصيدة تتلوها تعويذة، كلّما تنفّس السَّحرْ.

وفي رابعِ نخلة فارعة وزيتونة باسقة وحنينَ ناي يجلو عنّي موجات الكدرْ ...

وبالقلبِ نوّاسة، من ذؤابتها يتضوّع حلمي وشدوي

ريحانا وأنغاما وهِبات أُخَرْ...

فيتهادى الآتي أبيّا، عتيّا، يراقص النبضَ منّي فأغنّي:

" إذا الشّعبُ يوما أراد الحياة

فلا بدّ أن يستجيب القدرْ"

فتعلو زغاريد بعضي لبعضي.

وتهزّني نفحات عطر وبتلات شعر،

فيخفق نبض ويشعّ نجم ويبسم طفل

لمرأى أمّه تنسج من نور عينيها

رداء لهذا الوطن،

رداء يقي طفلها جليد الليالي

وكلّ المحن...

ضجّت الأركان تبحث عنّي في زوايا ذاتي، فما ظفرت بغير سراب يتهادى بحثا عن ربّات الفنّ الّتي لمّا تُبْعثْ من رحم الضّجر!

صفيّة قم بن عبد الجليل/ تونس

من رواية: رجلّ الضفّتين

 

مرحبا بكم في مجالس الرّكن النيّر للإبداع

23-4-2020

Flag Counter

أصدقاء مجالس الرّكن النيّر

أبو أمين البجاوي إسماعيل هموني البشير المشرقي البو محفوظ العامريّة سعد الله الفاضل الكثيري أماني المبارك أميرة بن مبارك إيمان بن ابراهيم إيناس أصفري بدوي الجبل بسمة الصحراوي بشر شبيب جمال الدين بن خليفة جميلة القلعي جميلة بلطي عطوي حليمة بوعلاق خالد شوملي خير الدين الشابّي رائد محمد الحواري سعيدة باش طبجي سلوى البحري سليمان نحيلي سنيا مدوري سوف عبيد صابر الهزايمه صالح مورو صباح قدرية (صباح نور الصباح) صبيحة الوشتاتي صفيّة قم بن عبد الجليل عبد الأمير العبادي عبد الحكيم ربيعي عبد العزيز جويدة عبد الفتّاح الغربي عبد الله بن عيسى الموري عبد المجيد يوسف عدنان الغريري عزّ الدين الشّابّي عنان محروس غادة إبراهيم الحسيني فاطمة محمود سعدالله فردوس المذبوح فيروز يوسف فيصل الكردي كفاية عوجان لطفي السنوسي لطفي الشابّي لمياء العلوي لودي شمس الدّين ليلى الرحموني محمد القصاص محمّد الهادي الجزيري محمّد سلام جميعان محمّد صوالحة محمّد مامي محمّد مبروك برهومي محمد مبسوط مختار الماجري مراد الشابّي منى الفرجاني ميساء عوامرية ناصر رمضان ندى حطيط هندة السميراني وهيبة قويّة يوسف حسين