الأديبة: جميلة بلطي عطوي/ تونس |
سليلة الزّئبق
دائما أجلس القرفصاء، إنّني على أهبة لتلبية رغبة
أو مساعدة. ما عرفت يوما معنى أن أمدّ رجليّ وأسترخي. ما خطر ببالي أبدا أنّ
الاسترخاء حقّ طبيعيّ لكلّ طين وينبري السّؤال لجوجا هل أنا فعلا من طين؟ كم بهت
الناظر إليّ بل لعلّه جزم أنّني سليلة الزئبق لا أستقرّ على حال ولا آخذ شكل
المتعارف المألوف. يقول البعض معجبا أو هازلا إنّني أحجية جديدة تضاف إلى الألف
ليلة وليلة لتدرج حركة في قاموس الخوارق بل يتمادى البعض فيتخيّل أنّني امرأة
يتلبّسها جانّ أو ما شابه لذلك معنى الرّاحة عندها يغرق في قاموس النسيان. همّها
الأوّل والأخير أن تلبي نداء كلّ داع. أن تقتل العجز في كلّ صرح. إنها الشجرة الأثيرية
التي ما تمكّنت عاصفة من كسرها وهي لذلك ملاذ كلّ الكائنات تحتمي تحت ظلالها في
الهاجرة وتدلف إلى زواياها ساعة القرس وهي كما خلقت عنوان العطاء والحرص تلملم
جهدها المتناثر وترتق الكدمات في عمق المسار.
هي تؤمن أنّها صاحبة رسالة وأيّ رسالة، تلك التي ترسّبت في ذاكرتها وشما
بإبر من نار بل هي الصّدى يتردّد على مدار الأيّام والسّاعات فتسمع الأصوات
الموغلة في الغياب تنادي، تنهر حينا وتلين أحيانا... ابنتي لا تدعي الوسواس يلج دنياك،
إنّه مغرم بالتثبيط والإحباط، لا تنصتي أبدا لغير الصّوت السّاكن فيك، أنا صورة
منك وفيك، كوني كما عاهدتني وعهدتك حركتي وفعلي بل كوّني وقتك بظلالي لتكوني
أثيرية المنبت تولدين من رحم الذكرى وتعلنينها عنوان حياة. أنت عطاء الجهد لينجو
مَن حولك من العثار. لتشرق الشمس في قلب كلّ وقت. أنت قرينة الضوء لا يرهبك الظلام
ولا تفلّ في جهدك مشوّشات النّهار...
جميلة بلطي عطوي
تونس في 29/ 11 / 2022